5 دقائق

البداية من الابتدائي

الدكتور علاء جراد

يوجد شبه إجماع، على كل المستويات في الوطن العربي، أن التعليم هو مفتاح النهوض واللحاق بركب الأمم المتقدمة، وفيه الحل الجذري لكل مشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية، بل والأمنية، ولكن تظل هناك هوة سحيقة لا قرار لها بين الخطاب الإعلامي والتنفيذ العملي لخطط مدروسة ومنهجية ومستدامة للنهوض بالتعليم، وغالباً فإن الحلول لا تكون متكاملة، كأن يتم التركيز على التعليم الجامعي مثلاً دون الأخذ في الاعتبار التعليم ما قبل الجامعي، أو يتم التركيز على التعليم العام دون التعليم الفني والمهني، ومن أكثر المراحل «المنسية» مرحلة التعليم الابتدائي، وفي رأيي فإن أي تطوير أو إصلاح سيكون فعالاً في حال الأخذ في الاعتبار كل المراحل والتخصصات، على أن يتم التركيز الكافي على مرحلة التعليم الابتدائي.

• «مرحلة التعليم الابتدائي، وقبلها مرحلة ما قبل المدرسة، هما من أهم وأخطر المراحل، حيث لا يتم فيهما تقديم المعارف فقط، ولكن بناء الشخصية أيضاً».

إن مرحلة التعليم الابتدائي، وقبلها مرحلة ما قبل المدرسة، هما من أهم وأخطر المراحل، حيث لا يتم فيهما تقديم المعارف فقط، ولكن بناء الشخصية أيضاً، وبالرغم من ذلك فهي شبه مهملة ومهمّشة في غالبية الأنظمة التعليمية على اعتبار أن تلك المرحلة مجرد بدايات ولا تحتاج إلى محتوى معقد أو مهارات خاصة، وهذا مخالف تماماً للحقيقة، لأن هذه المرحلة من أعقد وأهم المراحل، حيث يتشكل خلالها الجانب الأعظم من شخصية الإنسان، لذلك يجب أن يكون الطاقم التدريسي لهذه المرحلة مؤهلاً تأهيلاً أكاديمياً وعلمياً وأخلاقياً، كما يجب أن يخضع لاختبارات نفسية، وأن يحصل على الأقل على درجة الماجستير في أصول التربية والطفولة المبكرة، إن تطبيق تلك المعايير هو أحد أسباب تفوق التعليم في دولة مثل فنلندا التي يتحدث عنها الجميع، ولكن فقط مجرد الحديث والتحسر دون الاستفادة ممّا يناسبنا من تلك التجربة والتجارب الأخرى.

تحتاج مرحلة التعليم الابتدائي إلى اهتمام وعناية خاصة، لأنها بداية السلّم التعليمي، ولأن ما يتعلمه الطفل فيها قد لا ينساه أبداً، وكما قال السابقون «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر»، وكلما قوي الأساس قوي البنيان، لذا لابد من الاهتمام الحقيقي بهذه المرحلة على أن تكون سياسات التغيير مدعومة بقوانين وتشريعات ملزمة وطويلة الأجل، حتى لا تدخل في دائرة القرارات الفردية التي قد تتغير بتغيير الأفراد، ومن المفيد جداً استشراف رأي كل المعنيين من معلمين وإداريين وأخصائيين اجتماعيين ومرشدين نفسيين وأولياء أمور والطلاب أنفسهم وكل طوائف المجتمع، حتى تأتي مخرجات هذه المرحلة بما يتناسب مع طموح أمتنا، وننتقل من دائرة المشاهدة والتحسر على التقدم غير المسبوق في اليابان وكوريا الجنوبية وفنلندا وفيتنام، إلى الإصلاح الحقيقي الذي يبدأ بتحسين جودة التعليم الابتدائي.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر