5 دقائق

الإدارات الشرعية ومسؤوليتها

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الهيئات الشرعية في المصارف والبنوك والشركات المالية، التي تمارس في نشاطها كلاً أو جزءاً المصرفية الإسلامية، هي اللبنة الأولى للمصرفية الإسلامية، فهي التي أنشأتها، وهي التي تعد منتجاتها وعقودها، وهي التي تراقب تطبيقها، وهي المعنية بحوكمتها، وهي التي يعوّل عليها المؤسسون والمتعاملون، وفي المقابل هي التي ترفع شأن هذه المؤسسات أو تضعها، فالعبء عليها كبير، والمسؤولية الربانية أكبر، والمسؤولية الأدبية لا تخفى فتذكر..

وقد عقدت الإدارات الشرعية في الدولة ملتقاها الثالث لتدارس أعمالها وبرامجها وما لها وعليها؛ فكان ذلك عملاً جيداً نافعاً حتى تتوحد الجهود، وتُتلافى العيوب والتناقض، وتكون الوجهة واحدة في تحقيق مصرفية إسلامية صادقة صحيحة، تكسب رضا الله تعالى ورضا الناس..

والذي يعنيني في هذا المقال هو الإشارة إلى أن هذه الإدارات هي التي يجب أن تكون المرآة الصافية لعمل البنوك أو المصارف أو الشركات، فإما أن تكون مرآة شفافة، تنقل الصورة الحقيقية للعمل المصرفي، أو يكون وراءها ما وراءها، فإنه ليس من المرضي للمتعاملين أن يأتوا لمصرف إسلامي يفرون إليه بدينهم، يطلبون السِّلم مع الله تعالى، ثم يقعون في براثن الحرب غير المتكافئة، نتيجة لعدم تطبيق المنتجات التي اعتمدتها الهيئات الشرعية تطبيقاً سليماً وافياً، بدءاً من موظفي البنوك، الذين لا يفرقون بين الفائدة والربح، ولا بين غرامة التأخير والالتزام بالتبرع لجهات الخير عند التأخر عن السداد، وانتهاء بالتسويق غير السوي الذي يسوق المصرفية الإسلامية كما تفعل نظيراتها التقليدية أو أسوأ، طلباً لتحقيق الأرباح للمؤسسات و«البونص» للمسوق، من غير مبالاة بإغراق العميل في مديونية تقوده إلى خلف القضبان، أو تضيع عليه مدخراته التي أفنى عمره في كسبها، فيخر مغشياً عليه عندما يسمع بتلف ماله، وكل ذلك يكون مسؤولية هذه الإدارات، التي قد لا تهتم بهذه الجوانب التي قد تراها إدارية، والحقيقة أن الإدارة الشرعية لهذه المصارف يجب أن تكون هي الحاكمة على كل الإدارات العاملة، نظراً لمنهجية البنك أو المصرف أو الشركة ذات النشاط المصرفي الإسلامي كلاً أو جزءاً.

وقد سرني كثيراً ما رأيته من توصيات كثيرة نافعة كانت قد صدرت في الملتقى الثاني، ولو أنها وجدت طريقها إلى التنفيذ لأزالت كثيراً من الإشكالات المتكررة التي يواجهها المتعاملون، كما أن التوصيات التي خرج بها الملتقى في موضوع توزيع الأرباح وتحميل النفقات والمصروفات، وفي موضوع مصادر واستخدامات أموال وعاء المضاربة؛ توصيات جديرة بالتطبيق.

فإذا كانت الإدارات الشرعية جادة في تحقيق المصرفية الإسلامية، فإن هذه الملتقيات قد أوجدت لها السبل الكفيلة بتطبيقها، حيث إن المشاركين في هذه الملتقيات هم أرباب هذه الصناعة المالية، وقد وصلوا إلى تفاهمات مشتركة من خلال تلك الأطروحات والنقاشات الجادة من واقع الميدان العملي، ولا يمكن لأحد منهم أن يناقض نفسه بعد أن أفصح عن سير عمله في بنكه أو مصرفه، ولعل الإخفاقات التي توجد في التطبيقات تأتي من قبل إذعان هذه الإدارات للإدارات النافذة، وسبب ذلك عدم قدرة الإدارة الشرعية على أن تلحن بحجتها أمام رئيس البنك أو الشركة، أو أمام الجمعية العمومية، وحجتها لو أرادت الاحتجاج لا تحتاج إلى ثقافة واسعة أكثر من المرجعية الإسلامية لهذه المصارف والبنوك، وذلك يعني أن تكون حاكمة لا محكومة، وكما قال الإمام الشافعي، رحمه الله:

إن الأكابر يحكمون على الورى

                             وعلى الأكابر تحكم العلماءُ

إن المصرفية الإسلامية اليوم هي المعوّل عليها في تحقيق الاستقرار المالي، ومواكبة التطور التقني، بما تقدمه من منتجات نافعة للمجتمعات، فكان عليها واجب كبير في أن تثبت ثباتاً لا يقبل التزعزع، لاسيما وقد أخذت اعتمادات عالمية، وأصبحت تمخر في المشارق والمغارب، فكان عليها أن تكون في مستوى التحدي، وأن لا تقبل أن تكون ظلاً للمصرفية التقليدية، سواء في المنتجات، أو في الكوادر العاملة التي تقذف بها البنوك التقليدية، فتنشر ثقافتها في المؤسسات الإسلامية لتنزع الثقة منها.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر