كـل يــوم

غياب الحوكمة في البنوك.. هذه النتيجة!

سامي الريامي

صُدم كثيرون عندما تحدثت عن مكافآت ورواتب أعضاء مجالس إدارات وكبار المديرين التنفيذيين في 17 بنكاً وطنياً، والصدمة كانت من حجم المبلغ الذي تم توزيعه عليهم، والذي وصل إلى 738 مليون درهم، مع أن هذا الرقم الضخم لم يكن الأول من نوعه، بل يكاد يتكرر منذ سنوات عدة، فالمكافآت والمزايا والرواتب ضخمة بشكل غير معقول!

عموماً قد يقول قائل إن هذه الأرقام متعارف عليها في العالم، فمثلاً بلغ متوسط إجمالي أجر رئيس مجلس إدارة مصرف معين في الولايات المتحدة الأميركية، عن العام الماضي، نحو 382 ألفاً و205 دولارات، إضافة إلى مجموعة من المكاسب، تعتمد على حجم البنك.

قد يكون ذلك مثالاً واحداً، لكن في المقابل - رغم عدم وجود رقابة واضحة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي على أجور ومكافآت أعضاء مجالس إدارة البنوك - فإن مكافآتهم تتفاوت، حيث يحصلون في بنك أميركا، على سبيل المثال، على مبلغ 80 ألف دولار سنوياً، بينما أعضاء مجلس الإدارة في بنك الولايات المتحدة يحصلون على مكافأة سنوية 90 ألف دولار، أما بالنسبة للمصارف متوسطة الحجم، فتراوح مكافآت أعضاء مجالس الإدارة بين 15.600 و30 ألف دولار سنوياً!

أمّا هنا فرواتب كبار التنفيذيين في البنوك المحلية تُحدد بناء على عقد يبرمه مجلس الإدارة، وعادة ما يتضمن بندين، الأول راتب شهري، والثاني مكافأة في صورة أسهم، أو مكافأة بنسبة من الأرباح السنوية!

وعلينا ألا ننسى أن كبار رجال القطاع المصرفي عالمياً، أو كما يسميهم العالم أصحاب الياقات البيضاء، يتقاضون رواتب ومزايا خيالية، حتى بالغوا في ذلك بطريقة مجنونة، وكانوا سبباً في الأزمة المالية العالمية، ما دعا الجهات الرقابية في معظم دول العالم إلى تطبيق ضوابط الحوكمة على البنوك، بما يضمن معرفة المساهمين والمصارف المركزية بقيمة ما يتقاضاه هؤلاء على وجه الدقة، ويتم نشر تقارير دورية مع كل إفصاح سنوي على مواقع الأسواق المالية المدرجة فيها البنوك، وتم تنظيم سلطاتهم بما يضمن سلامة القرارات، ونسباً معقولة للاستثمار في القطاعات الخطرة!

الأمر لدينا مختلف، فليس لدينا نظام للحوكمة مطبق على البنوك، ولا توجد حدود قصوى لمزايا كبار التنفيذيين، بينما يحدد قانون الشركات نسبة لا تزيد على 10% من الأرباح مكافأة لأعضاء مجالس الإدارة!

لا ننكر أن المصرف المركزي يشترط موافقته المسبقة على تعيينات كبار مديري البنوك، ويطلب من البنوك تقارير دورية تتضمن رواتب ومزايا كبار الإدارة، لكن هذه المعلومات لا يتم نشرها، ما يجعلنا نتساءل عن مدى أحقية مساهمي البنوك في نشر هذه التقارير، ومعرفة ما يدوّن فيها من رواتب ومزايا وتعيينات!

لو كانت هذه التقارير تُنشر، لما وجدنا حالات لبعض من الرؤساء التنفيذيين الأجانب كانوا يعملون في بنوك أجنبية كرؤساء أقسام، واعتلوا هنا قمة الهرم الوظيفي في بنوك محلية كبيرة، وبراتب شهري وصل في وقت سابق إلى مليون درهم!

ولما أخفى أحد البنوك الكبيرة ما تقاضاه كبار التنفيذيين به، ولم يتم نشره في البيانات المالية له، تم تداول شائعات كثيرة في أوساط المساهمين، مفادها أن الإدارة العليا للبنك تقاضت 5%؜ من صافي الأرباح، وبما يفوق 500 مليون درهم!

كل ذلك يحدث لسبب واحد هو غياب الحوكمة، فغيابها فتح الباب لكثير من التكهنات والكلام المرسل عن أن ما ينشر في الميزانيات أقل مما تتقاضاه الإدارة العليا على أرض الواقع، وغيابها جعل المكافآت والمزايا توزع على عدد محدود من المديرين، وفقاً لمدى الرضا عنهم، من دون أي ضوابط مهنية، لذا فإن الحل النهائي لإنهاء هذه الممارسات لا يخرج عن ضرورة إيجاد نظام حوكمة يطبق بشكل مفصل وواضح، يضمن نشر كل المعلومات الجوهرية عما يقدمه هؤلاء المديرون، وخبراتهم، ومؤهلاتهم العلمية، وقيمة ما يتقاضونه في المقابل!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر