5 دقائق

العناد المُدَمِر

الدكتور علاء جراد

أشكر جميع القراء الذين تفاعلوا مع المقال السابق عن موضوع الطلاق، وقد شاركوني بمزيد من الأسباب التي تؤدي للطلاق، وأود أن أوضح أنه يصعب التعامل مع تلك القضية من منظور هل نؤيدها أم لا، لأن كل حالة لها ظروفها وملابساتها، لكن فهم الأسباب المؤدية للطلاق قد يساعد في الحد من حالات الطلاق غير الضرورية التي يمكن تلافيها بمزيد من الحوار الفعال والتفاهم. وأتناول اليوم أحد السلوكيات التي تعتبر وقوداً نووياً للطلاق بل لكثير من المشكلات، ويتمثل في العناد والاستكبار.

لاتزال آفة العناد والاستكبار حاضرة في كل المجتمعات، وتظهر بشدة في حالة الخلافات الأسرية بصفة عامة، والزواج والطلاق بصفة خاصة.

لقد حدثنا القرآن والكتب السماوية عن أمم قد هلكت بسبب العناد والاستكبار، ففي سورة نوح {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُواْ أَصَابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَاسْتَكْبَرُواْ اسْتِكْبَارًا} (نوح:7)، فالعناد والاستكبار أديا بقوم نوح والكثير من الأمم إلى الهلاك والدمار، وعلى مستوى الأفراد أدى الاستكبار والعناد إلى هلاك النمرود بجبروته وقوته، ولاتزال آفة العناد والاستكبار حاضرة في كل المجتمعات، وتظهر بشدة في حالة الخلافات الأسرية بصفة عامة والزواج والطلاق بصفة خاصة، فإصرار كل طرف على موقفه ورفض الاستماع للطرف الآخر يؤديان لتفاقم المشكلة، وبكل أسف تمتد نار العناد لتحرق الأبناء وتدخلهم في دائرة الصراع، وتسميم الأفكار بما لا يدع مجالاً للصفح والغفران أو حتى النسيان.

من أبشع القصص التي سمعتها قصة زوجين انفصلا بعد أن حاول كل منهما تدمير الآخر وتشويه سمعته بكل ما استطاع من قوة، وأهملا أبناءهما بعد أن سمما أفكارهما بما يكفي، وشاء المولى أن يتوفى أحد أبنائهما في حادث، وعندما تم إبلاغ الأب ليذهب لتسلّم جثة ابنه رفض، وقال إن طليقته كانت السبب في كل مشكلاتهما، وإن عليها هي أن تذهب لتسلّم الجثة، فتم الاتصال بالأم، فكان موقفها هي الأخرى موقف الأب نفسه، ورفضت تسلّم الجثة إمعاناً في العناد.

هذا مثال لما يوصلنا إليه العناد والكبر، فيعمينا عن الحقائق بل يقتل بداخلنا المشاعر فنتحول إلى كائنات تسير وتتكلم وتتصرف دون مشاعر، بل أحياناً قد يُقتل الوازع الديني فينحرف الشخص العنيد عن شرع الله عز وجل. إن الاحتكام إلى شرع الله يقي من المهالك، فإما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان كما جاء في القرآن الكريم.

ما أجمل أن يتقي الإنسان ربه ويضع نفسه مكان الطرف الآخر حتى لو خسر بعض الشيء، فذلك أفضل من أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه، سواء للطرف الآخر أو لأبنائه فلذات أكباده، ولنتذكر قول المولى عز وجل: {ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} (النور:22).

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر