5 دقائق

زراعة العلم وثمار العمل

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

الأمة التي تزرع العلم في حقول الأفكار القابلة للزراعة، لابد أن تخضرَّ أوراق هذه الزراعة وتثمر تلك البساتين ذوات الأفنان المختلفة، ثم تحصد ثماراً يانعة مختلفة الألوان والنكهات، فتغتني الأمة من حقولها، ولعلها تصدّر فائض الثمار لغيرها من بني الإنسان.

هذه هي قصة اعتناء الدولة بالعلم، فإنها لم تكتفِ بفتح الرياض والمدارس والجامعات والمعاهد المختلفة، بأحسن التجهيزات وأكبر الإمكانات؛ بل جعلت التعليم بوصَلة اتجاه المستقبل، فسخّرت له إمكاناتها المختلفة، كما عبر عن ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي - حفظه الله - حينما غرد بمناسبة افتتاح العام الدراسي، وزيارته عدداً من المدارس، ليقف عن كثب على استعداد المدارس والمدرسين والطلاب لموسم زراعة العلم الجديد، فغرد قائلاً: «أقول لطلابنا: أنتم أملنا ومستقبلنا، وللمعلمين: أنتم صناع الأمل والمستقبل، ولجميع التربويين: شكراً لكم، وكل عام والإمارات في أعلى مراتب العلم».

حكومة ترى أن التعليم هو المستقبل الواعد في كل ما تطمح إليه من تطور ورُقي صناعة وزراعة وتكنولوجيا، وفوق كل ذلك وقبله ديناً وقيماً أخلاقية وتربوية، إنها تفعل الكثير من أجل تحقيق هذا المستقبل المنشود، وحيث إنها تفعل ذلك فإن حصادها لما تزرعه في حقول العقول من معارف ناهضة سيتحقق بمشيئة الله تعالى، وتدرك الأماني الراقية، دليل ذلك ما هو مشاهد ملموس في كل الدول التي رأت مثل هذه الرؤى، ثم قطفت مثل تلك الثمار اليانعة التي جعلتها في مصاف الدول المتقدمة، وما الإمارات العربية المتحدة عن ذلك ببعيد، فإنها قد عرفت مثل هذا منذ بداية تكوينها، وقدمت الكثير الطيب لإنتاج عقول كبيرة تثقف وتصنع وتزرع وتحلّق في الفضاء وغير ذلك، فضربت بسهم وافر من كل تقدم ينشده البشر، غير أن طموحها لا يقف عند حد، فهي كلما تقدمت خطوة أتبعتها بعشر، وكلما قطفت ثمار شجرة زرعت عشراً، ونوعت الغراس، دليل ذلك هذا الطموح الذي نسمعه من قادتنا الذين نذروا أنفسهم لخدمة المواطن والوطن والعلم والمعارف، لذلك لا يتعبون بما يفعلون ولا يستخسرون ما يقدمون؛ لأنهم يعرفون عزة المطلوب ونفاسته.

وقد - والله - أنصفوا الأجيال بما قدموه لهم، فبقيت التبعة على الأجيال، فمن تعلم هل يعمل؟ ومن يتعلم هل يثمر؟

التبعة كبيرة على المتعلمين في أن يعرفوا ماذا يراد لهم من العز، إنه يراد لهم أن يكونوا قادة وسادة ورواداً في كل المعارف المثمرة، فعليهم أن يسهروا على التحصيل، ويجتهدوا في اكتساب المعارف المختلفة، حتى يتأهلوا لما يريدون وما يراد لهم، فإن العلم لا ينال بالتمني ولا بسوف ولعل ولو أني، إنما يدرك بالتشمير عن ساعد الجد، وترك المغريات والملهيات التي تفتك بالأوقات، ثم بتوفير وسائل المعرفة من كتب وبرمجيات، ثم معرفة حق المعلم من الأدب وجميل الصفات، ثم التنافس بين الأقران في المحفوظات والنظريات والبرمجيات، ثم الرحلة إليه في سائر الأوقات، فهذا الذي يمكن أن يحقق بعض الغايات التي ينشدها الوطن المبارك.

هذا هو واجب الذين يجلسون اليوم على مقاعد الدراسة في مراحلها المختلفة، فلا يستثقلون هذا الطريق الذي سيوصلهم إلى المبتغى المنشود، فإن من يعرف ما يطلب هان عليه ما يبذل. وكما يقول المتنبي:

تهون علينا في المعالِي نفوسنا .. ومن يخطب الحسناء لم يغلها مهرُ

ويقول أحمد شوقي رحمه الله:

وما نيل المطالب بالتمني ... ولكن تُؤخذ الدنيا غِلابا

وما استعصى على قومٍ منالٌ ... إِذا الأِقدامُ كان لهم ركابا

نعم، لا يستعصي علينا أن تثمر جهودنا عباقرة في العلم الشرعي والأدبي والطبي والزراعي والجيولوجي والذري والفضائي وغير ذلك، فإن من وصلوا إلى ذلك إنما وصلوا بجهدهم، ووسائلهم البسيطة، ونحن اليوم نملك أكثر وسائل وأكبر دعم منهم، ولم نفقد إلا الجد الذي كانوا عليه، فإذا بذلناه نلنا المراد بعون الله ويبقى لهم شرف السبق.

* «كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر