5 دقائق

«ما عليكم كلها دعايات»

عبدالله القمزي

كنت مع بعض الأصدقاء في مجلس قريب لي عندما قال أحدهم: «أنا لا أتأثر بالدعايات على التلفزيون». الرجل على حق، وهي عبارة نسمعها كثيراً مع عبارة أخرى باللهجة المحلية، مثل «ما عليكم كلها دعايات»، فمن أين جاءت هذه العبارة أو التصور أننا لا نتأثر بالإعلانات المطبوعة أو الدعايات؟

بداية، هذا المقال مبني على تجربتي الشخصية، وليس على دراسة علمية، سبب انتشار هذه العبارة الاستنكارية لمنطق الدعايات هو خلل في أسلوب وآلية الدعاية نفسها، فالدعاية، كما نعرفها هذه الأيام، هي طلب على شكل أمر بأن نشتري منتجاً تجارياً مُبالغاً في تعظيم فوائده، أو كما يفعل موظفو البنوك عندما يتصلون بنا لعرض بطاقة ائتمان أو خدمة، ويقرأون علينا نشرة كاملة كأننا سنستوعب كل المعلومات بعد انتهاء المكالمة، في حال انتهت بالفعل قبل أن تجبره أنت على إنهائها! أو عندما يلح عليك موظف مبيعات في محل أن تشتري منتجاً لست بحاجة إليه.

أو في حالة ثالثة عندما تستمع إلى تمثيلية رديئة باللغة العربية طبعاً على المذياع، فيها حوار متصنّع بين فتاتين، فتغيّر المحطة فوراً، كما أفعل، قبل أن تسمع اسم المنتج لأن التصنّع هو كذب، لهذا السبب أصبحنا نقاوم نفسياً بإقامة حائط صد دفاعي متمثل في عبارة: «ما عليكم كلها دعايات».

الإعلان أو الدعاية المحترفة كفكرة لا يقوم على طلب الشراء بشكل مباشر، بل يُلقي الفكرة بصورة إيحائية في ذهن المتلقي (أي من فوق حائط الصد)، وتلك الفكرة مدعمة بعبارة أو صورة مؤثرة تبقى مخزنة في العقل الباطن مدى الحياة، وعندما يتذكرها المتلقي يظن أنه يريد المنتج، حتى لو لم يكن بحاجة إليه، فيشتريه، وإذا أعجبه فإنه يظل وفياً له إلى الأبد دون الحاجة إلى دعاية أخرى.

هذا الأسلوب ناجح في إعلانات الترغيب والترهيب، أي لبيع منتج تجاري أو لإطلاق رسائل تحذيرية، فمثلاً في أحد شوارعنا شاهدت إعلاناً تحذيرياً يقول: هل مازلت ترغب في العودة سليماً إلى عائلتك؟ لا تنشغل بهاتفك الذكي أثناء القيادة. العبارة مخيفة وتؤدي الغرض، لكن الصورة المصاحبة ليد مربوطة تبدو نظيفة جداً، وبالتالي هي ضعيفة.

بالمقابل، في سنغافورة وجدتُ إعلاناً تحذيرياً عليه صورة فتاة غارقة في قيئها مع سؤال: هل أنت مدمن مخدرات؟ للمساعدة اتصل على الرقم التالي. تلك الصورة لن أنساها أبداً.

الدعاية لمنتج تجاري (هاتف ذكي - عطر - سيارة - مساحيق تجميل) ترتبط بالتجربة الشخصية، وصعب جداً أن يباع دونها. الدعاية تخلق ذكريات جميلة وشعوراً إيجابياً، وهما يحكمان سلوكنا ويدفعاننا إلى شراء منتج في ما بعد، وليس معناها أبداً أن نشتري فوراً واليوم.

مسك الختام: في طفولتي كنت أشاهد دعاية تلفازية لمنتج حلاقة ينتهي بعبارة: «ما يستحقه الرجال». وبعد بلوغي سن المراهقة بدأت لحيتي تنبت، فتذكرت تلك الدعاية، وذهبت لشراء المنتج فوراً وأنا على قناعة تامة بأني أصبحت رجلاً، وأني أستحق المنتج الآن. تلك دعاية مؤثرة قد لا تحتاج الشركة إلى واحدة أخرى، لأنها ألقت بالرسالة من فوق حاجز الصد، واستجبتُ لها بعد سنوات من المشاهدة، ومازلتُ وفياً للمنتج بسبب تلك العبارة التي غرست فيَّ شعوراً إيجابياً.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر