الإدارة ليست استقواء على صغار الموظفين!

الإدارة ليست تنمّراً واستقواء، بل فن وعلم، فن إظهار إبداع الموظفين لصالح العمل، وفن استخراج الطاقات الكامنة من جميع الموظفين لزيادة الإنتاجية بأساليب علمية متطورة، وهي فن إدارة البشر والعقول، ليس بالصراخ واستغلال المنصب، وليس بالتعالي والقوة وكبت الموظفين الأقل درجة، إنما بأساليب الإدارة الحديثة القائمة على التحفيز وتحسين بيئة العمل.

عندما تسوء بيئة العمل، ويصبح مكان العمل مجتمعاً منفّراً للموظفين، فلابد أن يكون وراء ذلك إدارة لا تتقن فن إدارة الموظفين، وعندما يترقى أكثر من 139 موظفاً في دائرة ما، وفي المقابل تقلّ نسبة الرضا الوظيفي، فهذا مؤشر غير طبيعي إلى وجود خلل إداري، وهو مؤشر قوي إلى وجود بيئة عمل غير صحية!

في هذه الدائرة لم يقتنع الموظفون بترقياتهم، ولم ترتفع نسبة رضاهم لسببين، الأول لأنهم أدركوا أن الترقيات لم تكن تحمل معياراً واضحاً، فهناك كثيرون ترقّوا وهم لا يستحقون الترقية، ما قلّل فرحة الموظف المتميز الذي يستحق الترقية، والسبب الثاني أن علاقات الموظفين كانت حاضرة أكثر من الكفاءة، فهناك موظفون تمت ترقيتهم رغم أنهم سبق أن حصلوا على ترقية قبل فترة قليلة، هؤلاء لم يستحقوا تكرار الترقية لجدارتهم وكفاءتهم المطلقة، بل لعلاقاتهم وقربهم من المسؤولين في الدائرة، أو حتى من المقربين من المسؤولين، لذا كانت الترقيات سبباً في زيادة الإحباط لا العكس!

نسبة الرضا الوظيفي تتدنى عاماً بعد عام، صغار الموظفين يتعرضون لضغوط مباشرة من مسؤولي الإدارة، تنمّر واضح، وسيطرة وصلت إلى الدرجة التي تستعين فيها الإدارة بسيارات الشرطة لتسجيل مخالفات مرورية على الموظفين الذين يوقفون سياراتهم بالقرب من المدخل الرئيس، ليختموا الحضور، قبل أن يرجعوا لسياراتهم بحثاً عن موقف لها!

هل هذا إجراء مناسب؟ وهل هو أفضل من البحث معهم عن حل يُرضي الجميع؟ أليس من المفترض التيسير على الموظفين، ومراعاة ظروفهم، بدلاً من الذهاب إلى الحل الأكثر إحباطاً للموظفين، وكأنهم المسؤولون عن قلة الأراضي المخصصة للمواقف!!

وماذا عساها أن تؤثر هذه الدقائق البسيطة في سير العمل والإنتاجية، هناك موظفات أمهات، وهناك موظفون مرتبطون بمدارس أبنائهم، وهُناك دوام مرن يسمح للموظف بأن يرتبط بساعات الإنتاجية، وفقاً لساعات الحضور والانصراف، وليس شرطاً أن يبدأ الجميع دوامهم في الساعة والدقيقة ذاتيهما، كما ليس شرطاً أن ينهوا دوامهم في وقت واحد، فلِمَ لا تضع الإدارة يدها بيد الموظفين لتساعدهم بدلاً من التضييق عليهم لدرجة المخالفات المرورية؟ ولِمَ الانتقائية في التشديد، بحيث تطبّق القوانين بحذافيرها على صغار الموظفين، ويُرفع القلم نهائياً عن الكبار، فهم يأتون وينصرفون وقتما يشاؤون دون تشديد ولا رقيب؟!

هذه الدائرة مسؤولة عن قطاع في غاية الأهمية، وهذا القطاع يعاني مشكلات عديدة، وبدلاً من التركيز على حل مشكلات العملاء، تُركز الدائرة على قضايا أقل أهمية، في حين أنها تتقاضى رسوماً باهظة جداً مقارنة بالخدمات التي تقدمها، فهل ينتبه المسؤولون هناك إلى عملهم الأساسي، ويركزون على تطبيق الرؤية، والشعار الذي يرفعونه ولا يطبّقونه!!

بيئة العمل هي مسؤولية الإدارة العليا في كل الدوائر والمؤسسات، تشاركها في ذلك إدارة الموارد البشرية، وعندما تصبح بيئة العمل طاردة، وغير جاذبة، ومملة لمعظم الموظفين، فلابد أن يكون وراء ذلك إدارة عليا غير فاعلة، و«موارد بشرية» غير مدركة لطبيعة عملها، وهذا دون شك يُسبّب تعاسة الموظفين بدلاً من سعادتهم!!

reyami@emaratalyoum.com

twitter@samialreyami

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 
 

الأكثر مشاركة