5 دقائق

نهاية فيلم خيالي

عبدالله القمزي

عند خروجنا من صالة السينما، بعد مشاهدة فيلم غارق في الخيال، يأتينا شعور غريب يفسر بأنه إعادة اتصال إدراكنا بالواقع. يحدث الشعور عادة عندما يكون الفيلم مصنوعاً بطريقة متقنة تجعل المشاهد ينغمس فيه. صباح التاسع من نوفمبر، حدث ذلك الشعور عندما استفقنا من فيلم طويل جداً، بدأ في بداية هذا العام، وكان من بطولة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي كانت تسعى في خيالها الجامح للوصول إلى البيت الأبيض.

هذا الفيلم أوهم العالم بواقعيته، إلى درجة أننا جميعاً دخلنا في فقاعته، وبمجرد انفجارها أدركنا عودتنا إلى العالم الواقعي، لنجد أن الفائز هو الرئيس المنتخب دونالد ترامب.. وتساءلنا: كيف حدث ذلك؟ استطلاعات الرأي كلها أشارت إلى عكس ذلك، كبريات الصحف الأميركية أخفقت في التنبؤ بتلك النتيجة، وقبل ذلك أخفقت في التنبؤ بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست).. دعونا نتفحص الأسباب قليلاً:

هناك الكثير جداً من الأسباب، لا يهمنا ما يحدث في الشأن الأميركي، لكن المهم هو إخفاق الإعلام في التنبؤ، والإخفاق كان فادحاً لدرجة تدعونا إلى إعادة النظر في مستقبل المهنة. المشكلة الرئيسة تمس الصحافة الورقية بالدرجة الأولى، كون هذه الصحافة لم تتمكن من العثور - حتى الآن - على النموذج التجاري البديل للقرن الـ21، خصوصاً مع هجرة القراء المستمرة إلى الصحافة الإلكترونية.

ذلك أجبر محرري الصحافة الورقية هناك على البحث عن الإثارة، والتعامل مع موضوعي «بريكست» و«ترامب» كنوع من الترفيه على حساب الحقيقة، خصوصاً أن تصريحات الرجل النارية جلبت الكثير من القراء ورقياً وإلكترونياً (تواصل اجتماعي).

من جهة أخرى، لم يخفِ ترامب كرهه للإعلام التقليدي وتجاهله، وتواصل مع جمهوره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي يفوق عدد متابعي ترامب فيها (15مليون متابع له على «تويتر») أعداد صحيفة مرموقة، مثل نيويورك تايمز (تقريباً مليونا عدد يومياً).

محررو تلك الصحف فضلوا الجلوس في أبراجهم العاجية، البعيدة جداً عن مؤيدي ترامب، وهم سكان المناطق الوسطى، وحتى عندما أرسلت تلك الصحف محرريها لقياس نبض تلك المناطق، لم يأخذ أولئك مؤيدي الرجل بجدية، لأنهم لا يريدون مجرد تخيل أنه يستطيع الفوز في الانتخابات.

بل وهاجمت بعض الصحف أي شخص تجرأ على قول الحقيقة، مثل محلل الإحصاءات نيت سيلفر، الذي قال: هناك احتمال لفوز ترامب. واتهم الرجل بتضخيم فرص ترامب للرئاسة، وعندما تحقق الفوز اضطر مكتب هفغنتون بوست في واشنطن إلى الاعتذار إليه.

ناهيك عن تأكيدات وسائل الإعلام التقليدية، وإعادة التأكيدات، أن فوز هيلاري محسوم، وكذلك بقاء بريطانيا في الاتحاد، ما بث رسائل مضللة إلى تلك المجتمعات، التي اقتنع الكثير فيها بعدم أهمية الخروج للتصويت في يوم الاقتراع لكلينتون، لأن فوزها مؤكد!

الأزمة التي تمر بها الصحافة التقليدية في المجتمعات الغربية عميقة، مادام الأمر وصل إلى عدم قدرتها على التمييز بين العالم الحقيقي والخيالي الذي رسمته لنا.

مسك الختام: نعيش في زمن أصبحنا نصف فيه خيال السينما الجامح بالواقعي من شدة إتقان صانعيه، وأفقنا على فوز ترامب الذي يعني أن المؤسسات الصحافية الحقيقية لم تعد موجودة في الغرب، خصوصاً عندما يصبح تزييف الحقائق هو المعيار لجذب القراء.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر