5 دقائق

ثقافة مقاطع الفيديو

عبدالله القمزي

في عهد الهواتف الذكية أصبح كل يوم حافلاً بسيل عرمرم من المعلومات التي تتدفق من مختلف «الجروبات»، وأحياناً من الأفراد، فلو حسبت عدد مقاطع الفيديو التي تصلني فقد تتخطى المئة يومياً. عادة وفي نهاية اليوم أتلقى الأسئلة المعتادة سواء في المجلس الشبابي أو في المنزل.

هل شاهدت ذلك الفيديو؟ هل فتحت ذلك الرابط؟ ما رأيك في ذلك الموضوع؟ وأضطر كي أعطي رأيي أن أغوص مجدداً في «الجروبات» لأجد ذلك الفيديو وأشاهده حتى أتمكن من إعطاء رأيي! لكن السؤال المباغت الذي أتلقاه عادة هو لماذا لا تفتح مقاطع الفيديو فور إرسالها؟ الإجابة أني مشغول جداً في عملي ولا أملك وقتاً ولا اهتماماً لفتحها في لحظة وصولها.

لو حسبنا المدة الزمنية الإجمالية لكل مقاطع الفيديو التي تصل في اليوم الواحد فربما تكون 500 دقيقة، أي أكثر من أربع ساعات! فما المبرر الذي يدفعني لترك كل الدنيا والجلوس للتفرج على تلك المقاطع؟

هل ستزيدني علماً وثقافة؟ طبقاً للبعض الإجابة نعم! هل ستزيدني ديناً؟ طبقاً للبعض الآخر الإجابة بالتأكيد!

• مواكبة العصر تكون بتطوير العقلية وارتقائها بالقراءة من مصادر موثوقة.

إذاً فلنرمِ الكتب جانباً ونجلس للتفرج على تلك المقاطع المفيدة:

المقطع الأول: شاب في رحلة سياحية يصور نفسه مع أهم الأماكن التي ينصح بزيارتها مع بعض المعلومات التاريخية والثقافية التي يضيف عليها بهارات من عنده لأجل نجوميته على السوشيال ميديا! التصوير يشبه اللقطات المكتشفة في أفلام الرعب!

المقطع الثاني: شاب يلقي هراء يسميه شعراً، والفيديو وصل للمرة الخمسين على مختلف الجروبات وللمرة المئة في إعادة تداول منذ أسبوعين!

المقطع الثالث: مقطع لفتاة تقود سيارتها وتقول بأنها ذاهبة للعمل وبعدها يظهر شاب يسخر منها! وتحية للمخرج الذي أمضى وقتاً لتركيب المقطعين!

المقطع الرابع: شخص لا نعرف من هو يسعى للشهرة بإسداء نصائح ذات طابع ديني لا تكاد تسمعها بسبب صوت لحن في الخلفية «آآآآآآ...آآآآآآآ».. واللحن حزين جداً لدرجة إفساد نفسيتك وحذف الفيديو فوراً.

المقطع الخامس: صورة لحدث قديم يروج له بمعلومات خاطئة.

المقطع السادس: أعيد إرساله مئات المرات لشاب يصلي فوق سيارة الأجرة في نيويورك وآخرين يصليان في وسط ساحة سياحية والسياح من حولهم يلتقطون الصور، فضاع الخشوع! والخلفية آهات حزينة لزيادة التقوى في النفوس! ونقول ذلك استعراض ورياء وليس عبادة! فالمقيم يصلي في المسجد أو البيت، والمسافر يصلي في مسكنه وليس وسط سياح ليتحدثوا عنه.

المقطع السابع: شخص يصور مواد بناء ويقول إنها تدخل في المكونات الغذائية لشركة وجبات سريعة، فاحذروها.. نعم ربما تدخل أيضاً في صناعة البلاليط!

المقطع الثامن: تقرير إخباري يقول إن هيلاري كلينتون اعترفت في مذكراتها بأن أميركا خططت لاستغلال أحداث الربيع العربي! ربما لا نعلم، لكن الفيديو كاذب لأن هذا الكلام غير موجود في مذكراتها.

ما أريد قوله هو: ما هي الثقافة التي جنيناها من تلك المقاطع؟ إنها ثقافة الجهل والشائعات لا أكثر؛ لأن نسبة المقاطع المفيدة 1% من إجمالي ما يصلنا.

مسك الختام: دائماً أتهم بعدم مواكبة العصر بسبب عدم متابعتي لتلك المقاطع، وأقول إن مواكبة العصر تكون بتطوير العقلية وارتقائها بالقراءة من مصادر موثوقة وليس مقاطع فيديو تافهة صنعتها عقليات مريضة.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر