أبواب

هكذا تخلّصت من كتبي

محمد حسن المرزوقي

في شرعة القراءة، تزداد درجة التزام المرء بمقدار ما يجمعه من كتب. فقد كان القارئ الأرجنتيني المؤمن «بورخيس»، يتخيل الجنة على شكل مكتبة، أمّا دودة الكتب الإيطالي «إمبيرتو إيكو» فذهب أبعد من ذلك، وخلق هذه الجنة في بيته بصنع مكتبة تحوي أكثر من 30 ألف كتاب.

• قد يكون الأديب التركي، أورهان باموك، الذي يملك أكثر من 12 ألف كتاب في مكتبته، الأديب الهرطوقي الوحيد الذي عبر عن مدى كراهيته لبعض كتبه، وليس عن مدى محبته لها كما جرت العادة.

لكن لو وقف أحدنا في لحظة صدق، أو شكّ، أمام مكتبته. سيجد أن كثيراً من هذه الكتب تستحق التخلي عنها لا اقتناءها، فضلاً عن قراءتها، لكننا أجبن من اتخاذ قرار بالتخلص منها، ربما يعود ذلك لأن هذه الكتب جمعناها على امتداد حياتنا، ولكل منها ذكرى معينة ترتبط بمرحلة فكرية مررنا بها وتجاوزناها، ولأن الذكرى يصعب محوها والتخلص منها، نجد صعوبة في التخلي عن بعض هذه الكتب.

قد يكون الأديب التركي، أورهان باموك، الذي يملك أكثر من 12 ألف كتاب في مكتبته، الأديب الهرطوقي الوحيد الذي عبر عن مدى كراهيته لبعض كتبه، وليس عن مدى محبته لها كما جرت العادة. وقد يكون كذلك الأديب الوحيد الذي لم يشعر بالحرج من الاعتراف بأنه تخلص من كثيرٍ من كتبه التي لم يعد له فيها أي حاجة.

عندما قرأت كيف تخلص باموك من بعض كتبه، قررت أنه حان الأوان لأن أحذو حذوه وأتخلّص من بعض الهراء الذي يشغل مساحات من مكتبتي، يمكن لي أن أستغلها بشكلٍ أفضل.

على سبيل التجربة قمت بالتقاط أحد الكتب من مكتبتي، وبدأت تصفحه على عجل لأتأكد من أن قرار إلقائه لن يجلب لي الندم في ما بعد. ولما اطمأن قلبي إلى أن الموجود بين دفتي الكتاب ليس سوى قمامة مرتبة بشكل أنيق، قررت التخلص منه، ظناً مني بأنها عملية سهلة، وهنا بالضبط تبدأ القصة.

كانت تجربة التخلص من الكتاب أشبه بتجربة الطنبوري مع حذائه الشهير، والطنبوري لمن لا يعرفه كان تاجراً بلغ به البخل أنه كلما انقطع جزء من حذائه، وضع مكانه رقعة من جلد أو قماش، حتى أصبح الحذاء عبارة عن لوحة فسيفساء تشكّلها مجموعة من الرّقع يشدّ بعضها بعضاً. عابه بعض أصدقائه يوماً، ودفعوه إلى التخلص من حذائه، لكن - وهنا تبلغ الطرافة في الحكاية - كلما ظن أنه تخلص من الحذاء برميه في القمامة تارة، وبدفنه في قلب الصحراء تارة أخرى، عاد إليه الحذاء بطريقة ما!

وهذا ما حدث لي تقريباً، بيد أن بطل قصتي كان كتاباً لا حذاءً.

قمت أولاً برميه تحت السرير حتى لا تصل إليه يدي، فوجدت الخادمة قد أخرجته في نوبة من نوبات /‏ مناوبات تنظيفها المفاجئة، ووضعته على «الكوميدينو» بجانب سريري.

ذهبت بعدها إلى أحد المطاعم مع صديق ونسيت الكتاب على الكرسي المجاور عامداً، فلما خرجت.. فاجأني الجرسون وهو يركض خلفي ملوحاً بالكتاب فشكرته على أمانته وأنا أشتمه في داخلي.

قررت أخيراً إهداءه إلى صديق، بعد أن كذبت عليه مدعياً أن هذا الكتاب هو أهم كتاب عربي صدر في العشرين سنة الماضية.. وربما المقبلة. فلما اعتقدت أنني تخلصت من الكتاب نهائياً وجدته بعد أيّام ملقى على المقعد الخلفي في سيارتي التي كان صديقي قد استعارها مني، وربما وجدها فرصة لإعادة الكتاب الملعون مع السيارة.

كدت أفقد الأمل بالتخلص من الكتاب، إلى أن تعثّرت بإعلان عن مشروع للتبرع بالكتب المستعملة تنظمه إحدى المؤسسات. هذا بالضبط ما كنت أبحث عنه، فمشروعات تبادل الكتب والتبرع بها ليست سوى محاولات خجولة للتخلص من الكتب التي لم نعد بحاجة إليها. وهكذا ضربت عصفورين بحجر، فمن ناحية تخلصت نهائياً من الكتاب، ومن ناحية أخرى بدوت كأنني النسخة المثقفة من بيل غيتس الذي يتبرع بأمواله في حين أتبرّع أنا بكتبي.

وهكذا، بعد أن نجحت في التخلص من ذلك الكتاب، قررت أن أسرد تجربتي للقرّاء لعلّ وعسى أن... يا إلهي من الذي وضع الكتاب على وسادتي!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر