معاني الهجرة

ذكرى الهجرة النبوية الشريفة ذكرى عظيمة، يتعين أن تتجدد لكل مسلم ومسلمة بعدد أنفاسهم وخطوات مشيهم؛ لأنها الحدث الأكبر في تاريخ هذا الدين، الذي أعز الله تعالى فيه المؤمنين وجعلهم خير أمة في العالمين، فهي التي بوأت لصاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم أن ينطلق بدعوته العالمية ورحمته الشاملة؛ حيث وجد العاصمة الحانية والشعب الحامي، ولولا ذلك لظل انطلاقها أمنية لا يجد لها ناصراً ولا معيناً.

«هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يستشعر هذه المعاني، فهل تتمثلها أمته حتى يهجروا ما شابهها في نفوسهم وأهليهم، عملاً بقوله سبحانه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}؟».

لقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يكون بلد الله الأمين عاصمة لدعوته كما كان فاتحاً لنبوته، فهو أحب البلاد إلى الله وأحب البلاد إليه، ولكن لم يشأ الله ذلك لحكمة عظيمة، وقد عوضه بها دار الإيمان ومأرزه إلى آخر الزمان، فأذن له بالهجرة إليه، وأن يترك بيته آمناً في حماية الله ورعايته وسيعود إليه فاتحاً عزيزاً، ولولا وعد الله تعالى له بأن يعيده إلى البلد الأمين لعظم الحزن لديه، كيف لا وفيها كعبته وحرمه وأهله ومآثر أبويه إسماعيل وإبراهيم عليهم جميعاً الصلاة والسلام، ولا يليق به أن يعايش الوثنية الجاهلية، فضلاً عن أقربائه الذين أُمر أن ينذرهم ويهديهم الصراط المستقيم، فهل سيظلون في غياهيب الجاهلية إلى ما لا نهاية؟ ذلك هو ما كان يأسى على فراقه عند الهجرة المباركة.

لقد هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يستشعر هذه المعاني، فهل تتمثلها أمته حتى يهجروا ما شابهها في نفوسهم وأهليهم، عملاً بقوله سبحانه ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّه﴾؟

فكعبة الله تعالى في كل مؤمن هي قلبه الذي هو محل نظره، فإن كان محاطاً بأوثان الدنيا وأهوائها وشهواتها، فيجب عليه أن يهاجر إلى الله تعالى بتركها ليحل محلها الإيمان والرضا عن الرحمن والطمع في الرضوان والجنان، وإلا فإن الإيمان سيهجر هذا القلب وسيبقى موئلاً للأوثان، وعندئذ لا ينفعه مال ولا دنيا ولا إنس ولا جان.

وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، حينما قال: «والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، فكم نهانا الله ورسوله عن البغضاء والشحناء، وسوء الظن والحقد والحسد والغيبة والنميمة والتكاثر بالدنيا والكذب والفسوق والعصيان.. فمتى يهجرها المسلم ويهاجر إلى الله بقلبه وعقله وحاله ومقاله؟! فهذه مساوئ الأخلاق التي جاء بالتخلي عنها والتحلي بأحسنها.

الهجرة النبوية تجدد هذه المعاني في نفوسنا، وتوجب علينا تمثلها لنكون مع صاحب الهجرة صلى الله عليه وسلم، تمثلاً له وتأسياً به وقرباً منه في الدنيا والآخرة فهو القائل «إن من أقربكم إليَّ يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً».

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة