فئران الديمقراطية

على الرغم من العراقة التي تلتصق على الجدران حتى بدت كأنها البنت البكر للتاريخ.. على الرغم من الدهشة التي ترش على الوجوه المارة من أمام قصر ويستمنستر وما أنتجه عبر قرون من قرارات وحروب واتفاقات وضجيج ومصالح وتفوّق وتراجع، البرلمان البريطاني، هذا الصرح الكبير بين ديمقراطيات العالم الذي تأسس قبل 790 سنة، متنفِّساً من رئتين ديمقراطيتين: المجلس الأعلى «مجلس اللوردات» والمجلس السفلي «مجلس العموم»، يتنازل عن كل هذه الهالة التاريخية والآلة الاستعمارية والقوى العسكرية التي كانت تتحرك بقرار «تصويت» منه.. ويرفع الراية البيضاء لفيالق «الفئران» التي احتلت أروقته..

يعاني هذه الأيام «برلمان المملكة المتحدة» من هجوم كاسح للفئران التي احتلت زواياه وردهاته وانتشرت بشكل كبير جداً، الأمر الذي دعا بعض البرلمانيين إلى التفكير جدياً في استقدام وحدة قطط «مجوقلة» للتصدي لهذا الاحتلال المفاجئ، وقد سيطر النقاش بين بعض النواب في جلساتهم حول الموضوع نفسه، فقد اقترحت النائبة آن ماكينتوش الاستعانة بقطط من ملجأ قريب «مرتزقة» للحد من انتشار الفئران «البلدية» التي تحتل المكان وتعطل القرارات وتعرقل العمل الديمقراطي، بينما اقترح جون تورسو، نائب في مجلس العموم، الاستعانة بأعداد كبيرة من الهررة نظراً إلى اتساع مساحة البرلمان، ولا يستبعد آخرون أن يتم صرف مخصصات للقوى الداخلية الرادعة الجديدة توضع كبند جديد في ميزانية البرلمان مع شهادات رواتب، الاسم: قط، العمر: ثلاث سنوات، الراتب: 500 جنيه إسترليني، المهنة: أمن وحماية!

يااااااه الزمن دار ببريطانيا التي بسطت نفوذها على 37 مليون متر مربع في العالم، واحتلت أكثر من 80 دولة في العالم، وهي الآن عاجزة عن أن تبسط نفوذها على مبنى «برلمانها».

أرى أن اختيار «الفئران» لمبنى البرلمان الإنجليزي من دون مباني الحكومة الأخرى، لم يكن مصادفة، فالسياسة برمتها تشبه «لعبة القط والفأر»، كر وفرّ متفق عليهما، لا هزيمة كاملة ولا انتصار كاسح!

ahmedalzoubi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة