أبواب

كيف تعالج متطرّفاً «2»

محمد حسن المرزوقي

يستغرب كثيرون من قدرة الإمارات على تحصين نفسها ضد التطرف، في وقتٍ لا تكاد تخلو فيه دولة من دول الشرق الأوسط من المتطرفين.

إن الفضل في ذلك يعود إلى مهندس الدولة، المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقد اختار - رحمه الله - الإسلام المعتدل الوسطي ليكون اللبنة الأولى، التي يقوم عليها أساس البيت الإماراتي، ولم يكتفِ بذلك، بل شيد بيتاً متيناً حرص على عدم ترك أي ثغرة في جدرانه قد يتسلل منها التطرف والغلو يوماً.

«اختار مهندس الدولة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الإسلام المعتدل الوسطي، ليكون اللبنة الأولى التي يقوم عليها أساس البيت الإماراتي، ولم يكتفِ بذلك، بل شيّد بيتاً متيناً حرص على عدم ترك أي ثغرة في جدرانه قد يتسلل منها التطرف والغلو يوماً».

«الأدب يحتوي على ترياق للتطرّف، إذا ما حقن الخيال في عقول القرّاء، خيال يجعلهم يتخيّلون وجود عوالم أخرى، شعوب أخرى، وحضارات أخرى مختلفة وملوّنة تعيش (لأن لها الحق في أن تعيش)، بطرق متمايزة، لكن من غير الضروري أن تكون متنافرة».

إن الخطأ الذي وقعت فيه كثير من الدول، التي يعيث فيها المتطرفون فساداً اليوم، رفضها مواجهة التطرف وجهاً لوجه، بحجة أن الظروف لم تكن تسمح لمواجهة من هذا النوع، مع أن الواقع يثبت أن الظروف مهيأة دائماً لمواجهة المتطرفين، لأن أي تأخير في مواجهة التطرف قد يفسح الفرصة والوقت لإنتاج المزيد منهم.

وفي حين لجأت هذه الدول إلى مداهنة المتطرفين، وتمكينهم في مؤسساتها دفعاً لشرورهم أو خوفاً منهم، لجأت الإمارات إلى الحزم في مواجهة دعوات التطرف بكل ألوانها، هذا وإن كانت مقاومة التطرف تقع ضمن مسؤولية الدولة لحماية شعبها، إلا أن جزءاً آخر وكبيراً يقع على عاتق الأدباء.

في كتابه «كيف تعالج متطرفاً»، يطرح الأديب آموس عوز، رؤى قد تحدّ - برأيه - من تفشي عدوى التطرف، فيخلق مثلثاً لمقاومة التطرف، أحد أضلاعه الخيال، وضلعه الثاني الأدب، أما الضلع الثالث فهو حسّ الفكاهة.

فالأدب يحتوي على ترياق للتطرّف، إذا ما حقن الخيال في عقول القراء، خيال يجعلهم يتخيّلون وجود عوالم أخرى، شعوب أخرى، وحضارات أخرى مختلفة وملونة تعيش، (لأن لها الحق في أن تعيش)، بطرق متمايزة، ولكن من غير الضروري أن تكون متنافرة.

لكن عوز يتدارك ليقول إن الأمر ليس بهذه السطحية، فيعترف قائلاً: «كم أتمنى أن أقول ببساطة: عليكم بقراءة الأدب، وستشفون تماماً من التطرف، لكن للأسف، التطرف أعقد من ذلك، فالعديد من القصائد، والكثير من القصص والأعمال الدرامية على مر التاريخ استُخدمت لتضخيم الكراهية والإقصاء».

مع ذلك، يعود عوز ليؤكد، أن هناك أعمالاً معينة من الأدب يمكن أن تساعد - إلى حدٍّ ما - على علاج هذه المعضلة، صحيح أنها لا يمكن أن تصنع المعجزات، لكنها يمكن أن تساعد. شكسبير يمكن أن يساعد كثيراً، فكل الشخصيات المتطرفة، المتعصبة، والشريرة في أعمال شكسبير تنتهي نهاية مأساوية أو كوميدية.

أما الحل الآخر الأخير، فهو حسّ الفكاهة، فعوز يقول إنه لم يسبق له أن رأى مرة واحدة في حياته متطرفاً يتمتع بروح الدعابة، ولم يرَ شخصاً لديه حس النكتة يصبح متطرفاً، إلا إذا كان قد فقَد روح الدعابة، فالمتطرفون غالباً ما يمتلكون مخزوناً هائلاً من السخرية، لكنهم يفتقرون - في الوقت ذاته - إلى الفكاهة.

يبرّر عوز ذلك بأن الفكاهة تعني القدرة على الضحك على أنفسنا، والفكاهة هي النسبية، والفكاهة هي القدرة على رؤية أنفسنا كما يرانا الآخرون، لا كما نرى أنفسنا.

يختتم عوز وصفته في معالجة التطرف قائلاً، إنه لو تمكن من حقن روح الدعابة في كبسولات، ثم إقناع شعوب بأكملها بابتلاعها، لاستطاع تحصين البشر ضد التطرف، وعندها فقط قد يحصل - يوماً ما - على جائزة نوبل في الطب، وليس في الأدب.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر