صناعة التعليم

الشريك الغائب

د. عبداللطيف الشامسي

نحن ـ التربويين ـ كثيراً ما نرفع شعاراً نردده دائماً: «الطالب هو محور العملية التعليمية»، وكثيراً ما نعقد المؤتمرات والندوات، وندعو الخبراء لمناقشة قضايا التعليم، وطرح الحلول والمبادرات التي نعتقد أنها ستعالج جميع إشكالات التعليم، إلا أن هذا كله يتم في غياب واضح لرأي الشريك الأهم، ألا وهو الطالب نفسه (Stakeholder)، لاسيما أن رأي الطالب ومقترحاته يكونان أكثر أهمية بالنسبة لجدوى طرائق التدريس المرتبطة بالوسائل الحديثة، خصوصاً في المؤسسات التي تطبّق استراتيجيات التعلّم والتعليم الإلكتروني.

ومادمنا جميعا على يقين بأن طريقة تفكير العقل البشري لهذا الجيل «جيل الآيباد» ـ متعدد التفكير والمهام ـ أصبحت من أهم التحديات التي تجابه المجتمعات في مجال التعليم، وصارت لدينا القناعة الكاملة بأن التعليم التقليدي لا يتناسب مع هذا الجيل، إذ إن طرق التدريس التقليدية أصبحت غير مجدية وغير جاذبة لاهتمام هذا الجيل، كونها لا تحتوي على التقنيات والأدوات التي تتوافق مع رغبة الطالب في التعلّم، وبالتالي لا تثير شغفه ولا دافعيته، فإن الانتقال إلى التعليم المنتج والتعلّم التفاعلي وتطبيقاته في الممارسات الصفية أصبح ضرورة عصرية، ما يستلزم ضرورة التعامل مع الطالب على أساس أنه شريكٌ رئيس، وأنّ رأيه رأي مهم للنظر به في التطبيقات التقنية الحديثة في العملية التعليمية، وهو الأمر الذي يدعم تطوير هذه العملية من جوانبها كافة.

إنّ تفعيل مشاركة الطالب في بناء العملية التعليمية لا يعني ـ بالضرورة ـ أن يكون له دور في تحديد المخرجات التعليمية أو في مقاييس الأداء التي تعتمد بشكل أساسي على متطلبات سوق العمل، وطموح المجتمع في بناء مهارات شخصية للطالب، بل شريك في مناقشة طرق التدريس وإثراء البيئة التعليمية بوسائل التعلّم التفاعلي التي يتعامل معها الطلبة يوميا في حياتهم، فها هنا تكمُن أهمية مشاركة الطالب من حيث إن تلك الطرق وتلك الوسائل المحببة إليهم ستكون مجدية ومؤثرة في ترسيخ المادة العلمية في عقولهم.

ويمكننا الأخذ بهذا المبدأ والعمل على تطبيقه، من خلال إشراك الطالب في المؤتمرات والندوات العلمية المتخصصة التي تسهم بشكل مباشر في تطوير العملية التعليمية، ومن خلال منحه الفرصة الكاملة للتعبير عن نفسه بالمشاركة في جلسات العمل وحلقات النقاش وإدارة الندوات، وكذلك في عرض أوراق عمل تعكس رؤية هذا الجيل حول متطلبات التعليم التي تتناسب مع طريقة تفكيرهم وميولهم، ومن الأهمية بمكان ألا تقتصر المشاركة على طلبة الجامعات والكليات فقط، بل يجب حثّ طلبة المرحلة الثانوية وتشجيعهم لطرح آرائهم بكل وضوح ويسر، ما يساعد على بناء ثقة هذا الجيل في البيئة التعليمية باعتباره أحد أهم أركانها والشريك الأهم لبناء منظومة متكاملة من التعلّم التفاعلي.

ألا وإنّ دوْرَ المجالس الطلابية كبير جدا في تحقيق هذه الرؤيا، لما لهذه المجالس من أثر كبير في تطوير العملية التعليمية، فبالإضافة إلى أنها تنمي السلوك التعاوني، وتشجع على العمل التطوعي، وتسهم في تطوير المهارات القيادية، وتثري مهارات التواصل الفعّال، وتدرب الطلبة على تحمّل المسؤوليات، فإنها يمكن أيضاً أن تلعب دوراً أكبر في طرح مشكلة الفجوة القائمة بين الدراسة النظرية من علوم ومعارف وبين الجانب التطبيقي في الحياة العملية، مع تقديم البرامج والآراء المقترحة التي تعالجها، وغير ذلك من القضايا التي لها صلة مباشرة بحياتهم ومستقبلهم، ما يجعل هذه المشاركات الطلابية ـ ضمن المنظومة المشار إليها ـ تقضي على جمود العملية التعليمية، التي عادة ما تعتمد على الأساليب التقليدية في التدريس دون مراعاة لشخصية هذا الجيل وتوجهاته التي تتناغم سريعا مع الثورة المعلوماتية، وتطور الإنترنت، وتنوع التقنيات الحديثة، وهذا بالتالي سيعالج أحد أهم الأسباب التي تدفع الشباب نحو العزوف عن التعلّم بشكل عام وعن المسار العلمي بشكل خاص، ما يؤدي حتمًا إلى إقبال المزيد من شباب الوطن على دراسة التخصصات الحيوية التي تسهم في صناعة أجيالٍ إماراتية متخصصةٍ في عالم التقنيات الحديثة وبناء مجتمع الاقتصاد المعرفي.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر