صناعة التعليم

فلنغتنمِ السبت

د. عبداللطيف الشامسي

الدروس الخصوصية ظاهرة مجتمعية ذات سلبيات كثيرة، وتستنزف ميزانية معظم الأسر، وعلى الرغم من الدراسات والمقترحات الكثيرة التي تقدم بها المختصون لعلاج هذه الآفة، فإن الحلول لاتزالُ نظرية، وغير مقنعة في المجتمع التربوي، كما أنها لا ترتقي إلى المستوى الفعال والمؤثر، لذلك فإننا ندعو إلى مبادرة جديدة، يتم من خلالها فتح المدارس يوم السبت من كل أسبوع، مع توفير عدد من معلمي المواد الأساسية، لإعطاء الطلبة المزيد من دروس التقوية في هذه المواد، بما يسهم في الارتقاء بمستوياتهم العلمية، ومن ثم القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية وسلبياتها.

ومما يدعم هذه المبادرة أن يوم السبت ـ عادةً ـ يكون من الأيام التي يضيع فيها وقت الطالب في الفراغ أو اللهو غير المفيد، ما يوجب على المعنيين اتخاذ التدابير والمبادرات، التي يمكن ـ من خلالها ـ تخصيص جزء من عطلة نهاية الأسبوع، ليشمل مختلف الأنشطة، التي يمكن من خلالها العمل على استثمار الطاقات الإبداعية لشبابنا وأطفالنا، وصقلها وتوجيهها بالأسلوب العلمي، الذي يضمن تطويرها بما يخدم المجتمع ومستقبل أبنائه، وذلك كله دون المساس بيوم الجمعة الذي يعد يوماً لتغذية الروح، والتواصل العائلي، والمرح، وزيارة الأقارب وتأكيد صلة الأرحام.

وتكمن فاعلية هذه المبادرة في أنها تقوم على أسس منهجية، تراعي رغبة الطلبة وقناعتهم بأهمية المشاركة فيها، دون إكراه أو إجبار، ويمكن أن يتم ذلك من خلال قيام المدرسين بتوعية الطلبة بفوائد المشاركة في فعاليات هذا اليوم، خصوصا الذين هم بحاجة إلى تقوية في مواد معينة، كاللغة الإنجليزية، أو الرياضيات، أو العلوم، أو غيرها من المواد، على أن يقوم المدرسون بمعالجة نقاط الضعف لدى الطلبة بشكل مباشر، وبأساليب مبسطة ومبتكرة يستوعب الطلبة من خلالها ما صعُب عليهم فهمُه، خلال الدوام المدرسي، ويتم ذلك في إطار مرح، وفي بيئة مدرسية غير رسمية، كما يمكن من خلال هذه المبادرة تقديم الدروس التحضيرية، اللازمة لتمكين الطلبة من اجتياز الامتحانات بكل جدارة ويسر، وفي مناخ صحي وحيوي يبدأ من التاسعة صباحًا وحتى الواحدة ظهرًا.

كما تتضمن المبادرة، أيضًا، تفعيل الأنشطة غير الأكاديمية التي لا يتسع المجال لتنفيذها خلال أيام الدراسة، مثل المسابقات بأنواعها، والأندية الطلابية العلمية والثقافية واللغوية، وغيرها من الأندية التي تصقل المهارات الخاصة للطلبة، وتنمي مواهبهم الفطرية، وتطورها بشكل علمي مدروس وفي جو من المرح الهادف، إذ أثبتت الدراسات التربوية أن تخصيص أيام مختلفة، بعيدًا عن الدوام المدرسي يُعَدّ من العوامل الإيجابية التي تسهم في تنمية تلك الهوايات وصقل المهارات، والوصول بها إلى المستوى الاحترافي والأكاديمي، الذي يساعد على صناعة المستقبل العلمي والعملي المنشودين.

ومما يشجع على تطبيق هذه المبادرة، أنها لن تشكل عبئًا على الهيئة الإدارية والتدريسية، إذ يمكن وضع جدول ينظم مشاركة المدرس أو الإداري في فعاليات «السبت»، بمعدل يومين في كل فصل دراسي، خصوصاً أن هذه المشاركة تزيد من مكانة المدرس لدى الطلبة، وتدعم الروابط الإنسانية بينهم، عندما يشعرون بحرصه على تطوير مستوياتهم، بعيداً عن الدروس الخصوصية، وفي مناخ من الأُلفة والمرح، وهو الأمر الذي تتحقق معه مصلحة المنظومة التعليمية بأسرها.

وهكذا تأتي هذه المبادرة ـ التي تم تطبيقها بنجاح تام في إحدى المنظومات التعليمية بالدولة ـ لتضع لبنةً جديدة في صرح صناعة التعليم، تُغتنمُ فيها الكوادر والمرافق التعليمية في خدمة هذا المجتمع، إذ تلعب المدرسة دورًا حيويًا في النهوض به يتعدى المقررات الدراسية، ويسهم في علاج الظواهر السلبية، وهو ما يتفقُ مع توجيهات قيادتنا الرشيدة، فخلال زياراته الميدانية للمدارس، وجه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بجعل المدارس مراكز خدمة مجتمعية متطورة، من خلال تفعيل دور المرافق الموجودة بها، من مكتبات ومسارح ومجمعات رياضية ومختبرات للغات، حتى تكون المدرسة منارة للإشعاع العلمي والإبداع الحضاري، في المجتمع المحلي المحيط بها، ومن ثم فإن توجيهات القيادة الحكيمة تدعونا إلى ضرورة الاستفادة من هذه البنية التحتية للمدارس.. لا سيما يوم السبت.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر