صناعة التعليم

مؤشر البدانة

د. عبداللطيف الشامسي

مفاجأة غير سارة قد تحدث لبعض أولياء الأمور عندما يجدون رقماً أحمر اللون في بطاقة الدرجات الفصلية لأبنائهم الطلبة، وتكون المفاجأة أشدّ عند الطالب المتفوق والمعروف بالدرجات العالية، لكنْ من أين له هذا المؤشر الأحمر؟ إنّه «مؤشر كتلة الجسم»، المعروف بـ(BMI )، الذي يقيس وزن الطالب مقارنة بطوله وعمره، حيث يشير اللون الأحمر إلى أنّ الابن يعاني البدانة، وربّما السمنة المفرطة، التي قد تحول دون تمكينه من تحقيق آماله وطموحاته المستقبلية، وهو المؤشر ذاته الذي يجعل أولياء الأمور يهرعون لعلاج أبنائهم وحمايتهم من هذا الخطر الخفي، الذي لم يكونوا يشعرون به، نظراً لوجودهم الاعتيادي مع أبنائهم على مدار الوقت دون إدراكهم خطورة زيادة الوزن الناتجة عن الوجبات السريعة المشبعة بالزيوت، وعن العادات الغذائية السيئة، وبسبب عدم ممارسة الرياضة بشكل منتظم.

إنّ «مؤشر كتلة الجسم» نظام عالميّ معمول به في العديد من دول العالم المتقدم كالولايات المتحدة وماليزيا، إضافة إلى عدد من المؤسسات التعليمية بالدولة. ويتم تنفيذ هذا النظام من خلال قياس الوزن بالكيلوغرام مقسوماً على مربع الطول بالسنتيمتر، بحيث ترصد أوزان الطلبة مقارنة بأطوالهم وأعمارهم على مدار العام الدراسي، ومن ثَمّ تحديد مدى تمتّع كلّ منهم بالصحة والوزن المثالي، من خلال مؤشراتٍ وأرقامٍ يتمُّ إدراجها ضمن الشهادات الفصلية للمواد الدراسية، فإذا كان المؤشر أقلّ من ‬18.5، فإنّ الطالب يعاني نقصاً في الوزن أو يعاني النحافة، وإذا كان بين ‬18.5و‬24.9، فإنّه يشير إلى الوزن الصحي المثالي، وما كان بين ‬25 و‬29.9 فإنّه يعني زيادة في الوزن، وما كان بين ‬30 و‬39.9، فإنّه مؤشر إلى السمنة، أما إذا تجاوز المؤشر الدرجة ‬40 فإنّ هذا يعني أنّ الطالب يعاني سمنة مرضية أو بدانة مفرطة، ما يُوجب عليه اتّباع برنامج علاجي فوري، إذْ تؤكد الأبحاث العلمية أنّ نسبة الوفاة بشكل عام ترتفع بمقدار ‬44٪ عند الذين يتراوح مؤشر كتلة الجسم لديهم بين ‬30 و‬34.9، وتصل إلى ‬88٪ لمن هم بين ‬35 و‬39.9، وبشكل عام يرى الباحثون أنّ كل ارتفاع بمقدار خمسة في مؤشر كتلة الجسم يعني ارتفاع احتمالات الوفاة بنسبة ‬31٪، إضافة إلى أنّ المصابين بالسمنة ترتفع نسبة تعرضهم لمخاطر الوفاة، بسبب أمراض القلب والسكتة الدماغية. كما لاحظ الباحثون انخفاض مستوى التحصيل العلمي كلما ارتفعت نسبة مؤشر كتلة الجسم.

إنّ تطبيقَ نظام «مؤشر كتلة الجسم» من شأنه أنْ يساعد على عملية متابعة صحة الطلبة وتحسينها، خصوصاً أصحاب الأوزان الزائدة، لاسيما أنه يلفت انتباه أولياء الأمور لاتخاذ التدابير اللازمة في المراحل العمرية المبكرة والعلاج المبكر، لأنّ انعكاساته النفسية والمعنوية وكذلك المادية تزداد يوماً بعد يوم، ومن ثَمَّ يتمّ التنسيقُ الفوريُّ بين المدرسة وأولياء الأمور من أجل وضع نظام صحي وعلمي يضمن توفير العلاج اللازم للطلبة الذين يعانون السمنة أو الوزن الزائد أو النحافة، وصولاً إلى الوزن المثالي، الذي يضمن سلامة الأبناء وتمتعهم بكامل اللياقة الصحية، بجانب تفوقهم الدراسي، الأمر الذي يُشكّل الأساس المتين لتنمية ثروتنا البشرية، باعتبارها أغلى الثروات الوطنية على الإطلاق.

لذلك كلّه، فإنّ لاحتساب «مؤشر كتلة الجسم» في بطاقة درجات الطالب الفصلية دوراً أساسياً لزيادة الوعي الصحيّ لدى الطلبة وأولياء أمورهم، وذلك لضمان تمتّع الطلبة بكامل المقومات والأسباب التي تساعدهم على التفوّق والتّميّز خلال دراستهم وبعد تخرجهم وخلال حياتهم المهنيّة، وهو الأمر الذي يضمن أيضًا تخريج كوادر إماراتية قادرة صحّيا وذهنيا على تلبية متطلبات النهضة الشاملة، ومن منطلق أنّ الثروة البشرية السليمة هي هدف كلّ تقدم، وغاية كلّ رقيّ، وأساس كلّ ازدهار، وليكون أبناؤنا ضمن الكوادر المتميزة التي تملك المقومات البدنية والعلمية كافة لصناعة مجتمع الاقتصاد المعرفي المنشود.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر