صناعة التعليم

قياس الأداء

د. عبداللطيف الشامسي

يصلُ عددُ المناهج المعتمدة ـ في كل مدارس الدولة ـ إلى ‬18منهجًا، وجميعها مختلفة في أنظمتها ومخرجاتها وطرق تقويمها ومتطلبات معادلتها، ومن ثم فإن تعدد المناهج يجعلُ من الصعب قياس مخرجات الأداء الدراسي للطلبة بشكل موحد، لذلك فإن الاعتماد فقط على النسبة المئوية آخر العام الدراسي مقياساً أوحد للكفاءة العلمية، يُسببُ كثيراً من الإشكال للطلبة وأولياء أمورهم من جانب، ومؤسسات التعليم العالي من جانب آخر، خصوصا طلبة الثانوية العامة؛ إذ إن تلك النسبة تمثل مفترق طرق وبوابة المستقبل لخريجي المرحلة الثانوية، وفي الوقت نفسه تُمثل مؤشر الالتحاق ببرامج التعليم العالي، وبما أن هذه النسب تتباين إلى حد كبير من مدرسة إلى أخرى، وبهدف الحصول على أعلى نسبة مئوية ممكنة، فقد أصبح بعض الطلبة، وأولياء الأمور، يبحثون عن أنظمة التعليم الأكثر تساهلاً في تقييم الطالب؛ مثل بعض المدارس التي قد تكون من القطاع الخاص، والمعروفة بكرمها غير المبرر في الدرجات!

لقد تسبب هذا الخلل في تضليل الحكم على مخرجات التعليم العام، التي يُفترض أنها تُعِدُّ الطلبة لمرحلة ما بعد الثانوية بشكل مباشر وناجح، إلا أنه بات من المعروف أن ما نسبته ‬30٪، من ميزانية التعليم العالي، يُصرف على برامج المراحل التحضيرية لما قبل الدراسة التخصصية في الجامعات والكليات، وهو الأمرُ الذي يؤكد تباين النسب المئوية مع حقيقة مخرجات التعليم، خصوصا المهارات الأساسية في اللغة والتفكير الحسابي، إذ يزداد الأمر غرابة عندما نجد أن نتائج الثانوية العامة ـ في الدولة ـ لا تعكس هذا الخلل، بل على النقيض فإنها تشيرُ إلى مستويات أداء عالية، كما تشير إلى وجود تباين كبير بين مدرسة وأخرى، ومردُّ ذلك كله إلى عدم وجود اتساق في أدوات القياس.

ولضمان تحقيق جودة المخرجات التعليمية، وتنمية القدرات المهارية في اللغة والتفكير الحسابي، بهدف تأهيل الطلبة مباشرة في برامج التعليم العالي والنجاح فيها، فإنه إلى جانب أدوات التقييم المعتمدة لكل منهاج؛ يجب استحداث اختبارات قياسية موحدة، يتم بها تقييم الطلبة في المهارات الأساسية.

كما يجب ـ إلى جانب متطلبات المنهاج الأكاديمي، أيًّا كان ـ الالتفاتُ إلى سبعة ضوابط أساسية، لضمان الاحترافية في تطبيق أدوات قياس القدرات المهارية، وهي: (‬1) تحديد المخرجات المهارية المناسبة، في اللغة والتفكير الحسابي لكل مرحلة على حدة، بناءً على القياسات العالمية، بحيث تتضمن الحد المقبول والمشترك بين جميع المناهج. (‬2) ضرورة استقلالية الجهة التي تُعِدُّ أدوات ونتائج التقييم عن أنظمة التعليم، بحيث تعكس هذه الأدوات مستوى مهارات اللغة والتفكير الحسابي في كل مرحلة دراسية، بِغَضّ النظر عن طبيعة المنهاج المطبق.

(‬3) ضرورة تطبيق أدوات التقييم الموحدة، في مراحل مفصلية مبكرة (في نهاية كل حلقة)، وليس فقط في نهاية المرحلةالثانوية. (‬4) ألاّ تشمل الاختبارات القياسية كل الموادِّ التي تُدَرّس في المدارس؛ بل تركِّزُ على مهارات القراءة والكتابة باللغتين العربية والإنجليزية، ومهارات التفكير التحليلي والحساب. (‬5) ضرورة ربط أهلية إدارة المدارس الحكومية، واستمرارية تراخيص المدارس الخاصة، بمعدل نتائج الطلبة في الاختبارات القياسية. (‬6) أن تعتمد جهات الاختصاص الحكومية شهادات جميع الطلبة، سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، بناءً على اجتيازهم تلك الاختبارات القياسية. (‬7) طرح الاختبارات القياسية مرات عدة، على مدار العام الدراسي، مع إمكانية تحصيل رسوم رمزية للاختبار الواحد، لضمان الجدية والاستعداد المناسب لها.

إن هذه الضوابط ـ مجتمعة ـ كفيلة بدفع الشركاء كافة، في العملية التعليمية، إلى السعي بجدية نحو العمل المشترك، لتأهيل الطلبة والارتقاء بهم في مشوارهم التعليمي، ما يضمن تحقيق التطوير الدائم في جودة التعليم ومخرجاته، وصولاً إلى صناعة أجيال إماراتية، قادرة على حمل لواء التقدم الصناعي والاقتصادي، في مناحي الحياة كافة، للوصول إلى مجتمع الاقتصاد المعرفي.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر