صناعة التعليم

التقويم السلوكي

د. عبداللطيف الشامسي

تشير الدراسات التربوية إلى أن التحصيل العلمي في المدارس يتأثر ـ وبشكل مباشر ـ بالاضطرابات السلوكية للطلبة، التي من أخطرها تلك الممارسات العدائية التي تصدر من فئة قليلة، والتي قد تصل نسبتها في بعض الأحيان إلى ‬10٪ من مجموع الطلبة، وكذلك تشير الدراسات إلى أن سلوك العنف ينتشر لدى طلبة الصف العاشر، بمستوى أعلى من انتشاره بين طلبة الصفوف الأخرى، وربما كان ذلك بسبب أسس النجاح والإكمال والرسوب، والتغيرات المصاحبة لهذه الفئة العمرية.

إن وجود مثل هذه الفئة من الطلبة يؤدي إلى نشر تلك السلوكيات السلبية، وبالتالي وقوع أفعال ومخالفات قد تصل إلى درجة الجريمة، فيما تقف إدارة المدرسة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء فعال ومفيد، إذ يتوقف دور الإدارة المدرسية عند نقل الطالب أو فصله، وذلك بعد استنفاد جميع آليات التقويم السلوكي، التي لا تسهم في علاج المشكلة، بل تنقلها إلى بيئة أخرى، وفي حالة عجز المدرسة عن نقل الطالب أو فصله، فإن استمراره يؤدي إلى إضعاف البيئة التعليمية والتحصيل العلمي للشريحة الأكبر والأكثر جدية من الطلبة.

ومما لاشك فيه، فإن هذه الفئة القليلة من الطلبة تستنزف جهود الإدارة المدرسية، ووقت أفرادها في متابعة هؤلاء الطلبة، ومحاولات احتوائهم على الدوام، لمعالجة سلوكهم السلبي والمؤثر في العملية التعليمية برمتها، ومن هنا تبرز الحاجة إلى حل يحافظ على ثروتنا البشرية، التي يمثل الطلبة ذوو السلوكيات السلبية نسبة منها مهما قلَّ عددهم، والحل يكمن في جمع هؤلاء الطلبة في مدرسة متخصصة، لتقويمهم من الناحية السلوكية، من دون الانقطاع عن المتطلبات الأكاديمية لتلك المرحلة الدراسية.

وهناك في الدولة نموذج ناجح لإدارة مدارس التقويم السلوكي، يتمثل في مركز أبوظبي للتدريب والتعليم المهني بمنطقة الشهامة في أبوظبي، الذي يعتمد على التربية العسكرية والتدريب المهني ضمن منهاجه، فبجانب المنهاج الأكاديمي، فإن المركز يطبق مادة التربية العسكرية، بما يساعد على بناء الشخصية الطلابية المنضبطة والملتزمة، كما يهتم المركز بالتدريب المهني لتنمية المهارات الفنية والمهنية لدى الطلبة، من خلال التدريب على العمل اليدوي والحرفي، إذ يملك المركز نخبة من الخبراء المختصين، للقيام بهذا الدور المهم، وتطبيق المناهج التي تتلاءم مع هذه النوعية من الطلبة، فَبِغَضِّ النظر عن دور الأسرة التي يجب أن تتحمل المسؤولية الأولى في إصلاح الأبناء، وتربيتهم على الأسس الإسلامية والعادات الحميدة، تأتي مسؤولية المختصين التربويين في القيام بهذا الدور، من خلال مدارس التقويم السلوكي، التي يجب ألا تقل مدة الدراسة فيها عن عام دراسي كامل، من أجل تمكين إدارتها من تطبيق منهاج التقويم بشكل علمي وعملي، بما يساعد على تقويم سلوك الطلبة، وتحسين مستوى أدائهم السلوكي والأكاديمي معا، وبعدها يمكنهم العودة إلى المدارس العامة إذا رغبوا، ليكونوا عناصر إيجابية ومفيدة في المحيط المدرسي والمجتمعي، أو إكمال دراستهم المهنية لدى مدرسة التقويم السلوكي.

إن القيام بدراسة وتنفيذ هذه المبادرة أمر يمكن تحقيقه فعليا، من خلال تخصيص مقر مدرسة واحدة في كل منطقة أو مدينة، لتقويم وعلاج السلوكيات السلبية لدى الطلبة، ما يتيح الفرصة الكاملة للمدارس الأخرى، للقيام بواجباتها ورفع كفاءة مخرجاتها، من خلال طلبة لديهم الدافع للتعلم والتحصيل العلمي، من دون وجود مؤثّرات سلبية تحول دون تمكن الطلبة المتميزين من التفوق والإبداع.

كما أن وجود مثل هذه المدارس التقويمية سيشكل ـ في حد ذاته ـ رادعًا للطلبة ذوي السلوكيات السلبية، ما يحول دون استمرارهم في ممارساتهم لتلك السلوكات الخاطئة، ومن ثم الانضباط وفقا للوائح والنظم المدرسية، وهو الأمر الذي نضمن به الحفاظ على ثروتنا البشرية الغالية، والاستفادة منها على الوجه الأكمل.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر