صناعة التعليم

صناعة التعليم : بوصلة المهنة

د. عبداللطيف الشامسي

تشير إحصاءات مجلس أبوظبي للتوطين إلى أن أكثر من ربع الباحثين الجادين عن عمل هم من حَمَلة الشهادات الجامعية من المواطنين، في حين نجد أن نسبة القوى العاملة الوافدة قد تصل إلى نحو ‬90٪ ما يشير إلى وفرة الفرص الوظيفية التي تتطلب جلب هذه الأعداد الكبيرة من القوى العاملة الوافدة، وعلى الرغم من ضرورة التركيز على هذا الخلل الوظيفي، إلا أنه من الضروري تفهم أن مؤسسات القطاعين الحكومي والخاص، على الرغم من أنها مطالبة بتحقيق نسبة عالية من التوطين، إلا أنها كذلك محاسبة على كفاءة الإنتاج الذي يعتمد بشكل مباشر على كفاءة ومهارة العاملين فيها.

والسبب الرئيس في خلل التركيبة الوظيفية يكمن في شقين: ‬1 ـ أن مخرجات التعليم غير موائمة لمتطلبات سوق العمل من مهارات وظيفية، ‬2 ـ قصور منظومة الإرشاد المهني، خصوصاً في المراحل الدراسية المبكرة، وبالتالي عدم وعي الكثير من الطلبة وأولياء الأمور بالاحتياجات التخصصية لسوق العمل، ففي معظم الأحيان يكون الهدف الأوحد لدى الطلبة وأولياء أمورهم هو الحصول على الشهادة الجامعية، ومن ثم يأتي دور البحث عن الوظيفة، لهذا فإننا سنسلط الضوء في هذا المقال على منظومة الإرشاد المهني باعتبارها البوصلة التي توجه الجميع نحو التخصص المهني والوظيفي المطلوب في المستقبل القريب والبعيد.

يتضح قصور منظومة الإرشاد المهني في نظام التعليم الثانوي الذي يعاني بشكل واضح وجود خلل في انتساب الطلبة للمسارين العلمي والأدبي، حيث ينتسب أكثر من ثلثي الطلبة للمسار الأدبي مقارنة بأقل من الثلث للمسار العلمي، وهو الأمر الذي لا يدعم بناء الاقتصاد المعرفي الذي تنشده الدولة في ظل استثماراتها العالية في مشروعات التنمية الاقتصادية ذات التكنولوجيا المتطورة. وعليه فإنه من الواجب الوطني بناء منظومة متكاملة للإرشاد المهني تعمل على تنمية الوعي الوظيفي لدى الطلبة، إذ إن المناهج الدراسية المطروحة حالياً تقتصر على مسارين أكاديميين فقط (علمي وأدبي)، وكلاهما غير مرتبط بالحياة العملية والتخصصات المستقبلية.

ولبناء منظومة إرشاد مهني فعالة يجب العمل على تفعيل عناصر رئيسة عدة، من أهمها تنفيذ برامج التدريب العملي المتقدم في المرحلة الثانوية، وتنظيم معارض للاسكتشاف الوظيفي يتم من خلالها استعراض المسارات الجامعية والتخصصات المهنية المستقبلية المطلوبة في سوق العمل، على أن تنظم هذه المعارض منذ المرحلة الإعدادية لكي تنميّ التوجه المهني والاستشراق المستقبلي مبكراً، وجعل الزيارات الميدانية للجامعات والمؤسسات الصناعية جزءاً أساسياً من هذه المنظومة حتى يتعرف الطلبة إلى التخصصات الجامعية والمهارات والمهن المطلوبة في سوق العمل، بما يتوافق مع مواهبهم وتطلعاتهم، واستحداث مسارات دراسية جديدة في المرحلة الثانوية تحتوي على التخصصات الهندسية والتكنولوجية والصناعية التي توائم احتياجات سوق العمل وتتلاءم مع ميول الطلبة وقدراتهم وعقد ورش عمل متقدمة حول المهارات الوظيفية بدءاً من كتابة السيرة الذاتية ومروراً بمتطلبات المقابلات الوظيفية وأخلاقيات المهنة.

وعليه فإن بناء منظومة متكاملة للإرشاد المهني تشكل أهمية استراتيجية كبرى، إذ إنها بمثابة البوصلة المهنية التي توجه الطلبة وأولياء الأمور إلى المسارات العلمية والتخصصات المهنية المستقبلية، وتوفّر لهم فرصاً ثمينةً يمكن من خلالها اكتساب مهاراتٍ تِقْنِيّةٍ متميزةٍ، وخِبْرات صناعيةٍ متطورة، تساعدهم على رسم خطّة واعية لمستقبلهم المهني وتمكُّنهم من التنافس بقوة في سوق العمل، وهو الأمر الذي يدعم وتيرة التوطين بشكل مُجدٍ وفعّال في مختلف القطاعات.

لذا فإن مؤسسات التعليم العام مطالبة بالقيام بدور فعال ونشط نحو بناء منظومة الإرشاد المهني من خلال حث الطلبة، خصوصاً في المرحلة الثانوية، على الانخراط في برامج التدريب العملي، وجعلها من ضمن مناهجها الأكاديمية، وتنظيم معارض سنوية للاستكشاف الوظيفي والمهني، وحث الجامعات والمؤسسات الصناعية العاملة على المشاركة فيها بشكل فاعل لتعريف الطلبة وإرشادهم بالفرص الدراسية والمهنية والوظيفية المميزة التي يحتاج إليها المجتمع حالياً ومستقبلاً، بما يضمن لهم الاستعداد المبكرلاستثمار هذه الفرص خصوصاً في القطاعات الحيوية التي تسهم في بناء مجتمع الاقتصاد المعرفي.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر