‬5 دقائق

«الريموت» لايزال في جيبي!

سامي الخليفي

بين العقل والجنون خيط أرق من خيط تنظيف الأسنان، وبين البائع والشاري يفتح الله، وبين العصر والمغرب تقام المباريات، فأرجو ألا تنسى أن أجمل الأيام يوم لم نعشه بعد، وأجمل المباريات مباراة لم يلعبها منتخبنا الوطني بعد، ولكل منا حقوق وعليه واجبات، فاللاعب يتحكم في الكرة، والزوجة تتحكم في الزوج، والزوج يتحكم في «الريموت»، ومن ذاق الحلو والمر والمالح في هذه الحياة سيسرق انتباهه خبر سفر الفتيات لمؤازرة المنتخب في البحرين، إذ أصبح الموضوع حديث الناس في المحيط الذي نعيش ونتحرك فيه، ومالي ومال الناس ومالك ومال الناس.

«والعمر قضيته حزين مظلوم، أخلص من هم ألاقي هموم؟» فريد الأطرش ـ فعندي بنت ـ لا تعرفون اسمها حتى الآن! زادت مداركها ومفاهيمها وثقافتها وأصابها الفرح بشبابها ووظيفتها وراتبها فاشترت شنطة ماركة، وابتعدت عن المطبخ، وقررت وفقاً لمعاييرها السفر مع صويحباتها لمؤازرة المنتخب، طبعاً من دون أخذ موافقتي أو حتى موافقة خطيبها الذي وعدها بالسفر معها بعيداً ليعيشا سعداء فقراء ويغني لها يومياً من «أسمر عبر»، لغاية «رهيب والله رهيب»، وفي محاولة متواضعة مني لوضع الجرس على رقبة القطة، حاولت ـ كأي أب يخاف على ابنته من المطبات الهوائية ـ إقناعها بالعدول عن فكرة السفر، إلا أن (شوق) ـ الآن عرفتم اسمها ـ ترفض المسافة والسور والباب والحارس والنصيحة والتهديد والزجر والردع والضرب، و«الضو مب طايع يلبق»!

وفي البيت كلما فتحت فمي، لأعبر عن دهشتي أغلقته أمها بيدها، فأم (شوق) لها صلاحية قول «لأ» لجميع من في البيت خصوصاً أنا، فليس هنا أي مجال للرومانسية، مع هذا تناولت البارحة حبوب الشجاعة ووقفت بوسط الصالة وعضلات وجهي ترتعش وقلت لها بانفعال: «يا حياتي (والله عالم باللي بالضمير)، سفر البنت لوحدها حرام، وبعدين لا تنسين أن المجتمع مش غفور رحيم خصوصاً في مثل هذه الأمور»! وكما ترى عزيزي القارئ فهذه المناقشة تعتبر فارغة تماماً وتدل على مستوى العقليات، إذ لم أجد جواباً سوى الصمت ولمعة في العيون! فرفعت حينها يدي التي أبطش بها وهويت بكل قوتي لأنتزع منها «الريموت»، وقمت بتقليب القنوات وإذ بالشاعر الكبير ربيع بن ياقوت، في مصادفة عبقرية ينشد بقصيدته الشهيرة من على ظهر راحلته، قائلا:

علموها الرقص والغنا، خرّجوها البنت فنانه

دربوها كيف تتجنا، تلعب الجمباز شيطانه

وفروا لها العود والفنا، وهي مثل الأرض عطشانه

يوم هذا العلم هوّنا، اكرها الله العلم واعوانه

هوب هذا ريب أو ظنا، شي يشاهد بالاعيانه

هوب هاجه يا عرب كنا، انظروا شيقول قرآنه

يمتثل لي يبغي الجنا، يعتبر من أجل رضوانه

يا كبير الفضل والمنا، يا إله العرش سبحانه

كم باتعفي نحن عنّا، السّفن سمّر وطبعانه

ملاحظة: في الزحام يكرم المرء أو يهان!

samy_alain@hotmail.com  

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر