صناعة التعليم

الشهادة وسيلة أم هدف؟

د. عبداللطيف الشامسي

قد يتسـاءل البعض عن مدى جدوى هذا السـؤال، حيث يعتقـد الكثـيرون أن التعليـم هدف، والجميع يسعى للحصول على الشهـادة العلمية، لأنها مفتاح الحياة العملية والوظيفية، لكن التساؤل الأهم هو: هل السعي للحصول على الشهادة العلمية لأجل الشهادة، أم لأجل الوظيفة المهنية؟ هذا ما سنتطرق إليه في هذا المقال.

إن الخطأ الفـادح الذي وقع فيه مطـورو التعـليم في القرن الماضـي أنهم قاموا بتصنيف التعلـيم إلى صنفين: تعليـم أكاديمي (نظري)، وغـير أكاديمـي (تطبيقي)، أي بشـكل غير مباشـر طلبة أذكياء، وآخرون غير أذكياء، ومقياس التمييز في ذلك التصنيف يتمثل في القدرة على حل مسـائل المواد العلمية المجردة والجامدة، بغض النظر عن استيـعاب الجانب التطـبيقي لهذه المواد، ولقـد أدّى هذا التصـنيف إلى اسـتبعاد أعداد كبـيرة من الطلبة ذوي المواهـب المتميزة في المجالات غير الأكاديمـية، ما جعـل كثيرًا من الناس غير سعداء، بسبب عـدم حصولهـم على الشهـادات العلميـة كمتطلب لتأمين وظيفة ما في سوق العمل، ولقد أدّى ذلك إلى عزوف أعداد من الطلبة عن الاستمرار في الدراسة، وبالتالي إلى إهدار تلك الطاقات البشرية، إلا أنه يمكن تدارك هذا الهدر من خلال إعداد مناهج تواكب متطلبات هذا القرن، بحيث يتمّ دمج صنفي التعليم الأكاديمي والتطبيقي، والمزج بينهما بشكل متين ومتوازن، ما يرغب الطلبة في الاقبال على التعليم، ويجعل مخرجات التعليم أكثر جاهزية لسوق العمل، وبالتالي يكون هدف التعليم الوصول إلى مهن تتوافق مع اهتمامات الطلبة وميولهم وقدراتهم العلمية، وصناعة كوادر ذات مهارات احترافية (Professionals) وكفاءات لها القدرة على الإنتاج والعطاء فور التخرج.

فالتعليم في واقعنا الحالي أصبح هدفًا بعد أن كان من المفترض أن يكون وسيلة، فكل متعلم يسعى للحصول على الشهادة أو نيل الدرجة العلمية أولاً، ثم يفكر في نوع الوظيفة أو المهنة لاحقاً، لذلك نجد أنه بعد إتمام الحصول الشهادة العلمية فإننا نفكر في الوظيفة المناسبة، ونقوم بإرسال السيرة الذاتية إلى عدد من المؤسسات الحكومية أو الخاصة، آملين الحصول على الرد بالقبول من إحداها، بغض النظر عما إذا كانت تلك الوظيفة تتناسب مع طموحاتنا أو حتى إنها تتماشى مع التخصص الذي درسناه سابقاً.

فغدت الشهادة هي الهدف الذي نسعى إليه، وليس الهدف إتقان المهنة، وعلى هذا فيمكننا وصف التعليم في القرن العشرين، بأنه: «تعليم أكاديمي بحت وهدف في حد ذاته»، وهذا النوع من التعليم أدى إلى احداث خلل في التركيبة الوظيفية والمهنية، إذ أصبح الكثير من حَمَلة الشهادات الجامعية لا يتمكنون من الحصول على مهنة تلائم اهتماماتهم وتخصصاتهم الدراسية، وأدّى هذا النوع من التعليم إلى وجود فجوة بين مؤسسـات التعليم من ناحية، ومؤسسات العمل من ناحية أخرى، ما أدى الى ندرة الكوادر المؤهلة القادرة على تولّي الوظائف بمهنية على الرغم من تكدس حملة الشهادات الجامعية.

إلى جانب ذلك، نجد أنّ تخصيص الكثير من الموارد المالية لمؤسسات التعليم، التي تعتمد بشكل أساسي على التمويل الحكومي،لا يتناسب مع متطلبات سوق العمل، من حيث المخرجات التعليمية كمّاً وكيفاً من ناحية، ولا المهارات الوظيفية من ناحية أخرى، لذا تقوم مؤسسات العمل ببذل المزيد من الجهد والوقت والمال لتنظيم برامج التدريب الوظيفي والتأهيل، حتى تُمَكِّن القوى العاملة من الإنتاج، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون هذه البرامج التدريبية قادرة على فعل التغيير المطلوب، وتأهيل القوى العاملة بشـكل مناسب.

ولذلك، فإن التغيير المنشود لعلاج الخلل في توفير الكوادر المؤهلة يتطلب تكامل النظام التعليمي والصناعي، من خلال دمج ثلاث ركائز رئيسة، هي: «‬1» التعليم المدرسي، «‬2» التعليم الجامعي، «‬3» التدريب الصناعي، تحت مظلة واحدة، اذ إن دمج هذه العناصر من شأنه أن يؤدي إلى شهادة جامعية مهنية تجعل الخريج فور التحاقه بالعمل قادراً على أداء واجباته بمهارات وظيفية عالية وإنتاجية كاملة، لذا يجب ربط متطلبات الدراسة الجامعية بحيث تتكامـل بسـهولة مع التعليم الثانوي والمهارات الوظيفيـة المهـنية بشكل سـلس، وإدراج التدريب العملي والصناعي متطلباً رئيساً،يبدأ من المرحلة الثانوية، بحيث يتم وضـع الطالـب على المسـار الوظيفي والمهـني منـذ مرحلة عمريـة مبكرة، وبالتالي يكون الهدف متمثلاً في تحقيق طموح المهنة، وليس مجرد الحصول على شهادة جامعية أكاديمية بحته.

وعلى ذلك، فإننا نؤكد أن ربط الدرجة الجامعية بالطمـوح الوظيفي والمهني، والأخذ في الاعتبار أن النظام التعليمي الناجح هو الذي يكـون أكثر فاعلية في تأهيل الطلبة وتخريجهم في أقصر وقت ممكن، سيسـهم وبشكل مباشر في التنمية الشاملة، وبناء مجتمع الاقتصاد المعرفي، إذ إن الواقع التنافسي في عالم اليوم لا يحتمل هدر الوقت الثمين للطلبة والمجتمع، خصوصاً في مجتمع دولة الإمارات الذي يشـكل كل عنـصر مواطـن فيـه رقماً مهماً ومؤثراً.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر