صناعة التعليم

التدريب المبكر

د. عبداللطيف الشامسي

لقد استقر النظام التعليمي في دولة الإمارات العربية المتحدة على تطبيق نظام الفصول الثلاثة، الذي يتيح إجازات فصلية (ثلاثة أسابيع في فصل الشتاء، أسبوعان في فصل الربيع، وإجازة الصيف التي تمتد إلى نحو سبعة أسابيع)، وإذا كانت الإجازات فرصة للترفيه، فإنها غالباً تعامل من قبل أبنائنا وبناتنا على أنها فرصة للكسل وإضاعة كل الوقت في ما لا طائل منه، ولتغيير هذه الصورة النمطية عن الإجازات يجب توفير برامج متنوعة للتدريب العملي للطلبة، خصوصاً في المرحلة الثانوية، إذ يمثل التدريب العملي تجربة فريدة من نوعها، تعطي فرصة للطالب المتدرب للتعرف إلى الحياة العملية والمهنية عن قرب، بما يساعده على النضج المهني، وإثراء خبرته العملية، وتحديد مساره المهني الذي سيبني عليه مستقبله.

إن إعادة صياغة صناعة التعليم لهذا الجيل (جيل الآي باد)، أصبحت ضرورة ملحة، تتطلب نظاماً تعليمياً مختلفاً نوعياً عن النظام السابق، بحيث يكون التعليم فيه ملامساً لقدرات هذا الجيل ومهاراته وطرق تفكيره، فيكون أكثر إثارة ومتعة وإبداعاً، من هنا يمكن ترجمة صناعة التعليم إلى سلسلة من المبادرات والبرامج الإصلاحية التي لو وضعت حيز التنفيذ في الميدان التربوي لكان لها الأثر البالغ والمباشر في تطوير العملية التعليمية ومخرجاتها. هذه السلسلة من المبادرات والبرامج تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تتميز بها دولة الإمارات العربية المتحدة، كما تتميز بتجنبها الوسائل النمطية والطرح التقليدي في علاج مشكلات التعليم، إضافة إلى طرح آليات واضحة للتنفيذ، تنبثق من رؤى واقعية لا تتطلب بالضرورة ميزانيات إضافية بل تقوم على إعادة تنظيم الموارد البشرية والمالية المخصصة والمعتمدة لوزارة التربية والتعليم وسوف نستعرض في هذا المقال مبادرة «فرص التدريب المبكر»:

ويمكن لبرامج التدريب العملي أن تكون أكثر فاعلية من خلال الفرص التي توفرها الشراكة بين مؤسسات التعليم والمؤسسات الصناعية والحكومية والخاصة، لتأمين فرص العمل المناسبة خلال فترة الإجازات، التي يقوم فيها الطالب بالعمل بصفة موظف متدرب، كما تفتح هذه البرامج التدريبية الباب لتوفير فرص عمل للخريجين بعد إنهاء مرحلة الدراسة، ما يكون له الأثر الواضح على صعيد تأهيل الكوادر الوطنية في مختلف القطاعات الحيوية والاقتصادية والتكنولوجية المؤثرة في عالم النهضة والتقدم.

ومن ثم فإن برامج التدريب العملي يمكن أن يكون لها دور كبير في دعم وتيرة التوطين في مختلف القطاعات الحيوية بالدولة، إذ ثبت بالفعل أن البرامج التدريبية تكسب الطلبة مهارات تقنيّة متميزة وخبرات صناعية متطورة، تساعدهم على تحديد ورسم مستقبلهم المهني بما يتوافق مع ميولهم ومواهبهم وقدراتهم الفعلية. ومما لا شك فيه أن برامج التدريب العملي تكون أكثر إثراء للطلبة عندما تبدأ في المراحل العمرية المبكرة كالمرحلة الاعدادية، إذ تتطلب الخصائص الشخصية لهذه الفئة العمرية شكلاً آخر من التدريب العملي المبني على الأنشطة التي تجمع بين الترفيه والتعلم والتدريب، والتي يمكن تحقيقها من خلال أنشطة تقام خلال الإجازات الفصلية، مثل معسكر التكنولوجيا الشتوي الذي نظمه مركز أبوظبي للتعليم والتدريب التقني والمهني - الذي يشغل جزءاً من الإجازة لا الإجازة كلها - وشمل الكثير من الفعاليات التكنولوجية والهندسية التي تمت بأساليب متطورة وفي أجواء مفعمة بالفرح والمرح، ما كان له الأثر البالغ في تطوير مهارات أعداد كبيرة من أبنائنا الطلبة، الذين تعايشوا بأسلوب جديد داخل المؤسسات التعليمية التي عادة ما تكون أكثر جدية ونظامية في أيام الدراسة العادية، وهو الأمر الذي أكسبهم الكثير من العلوم والمهارات التي كانوا يرونها صعبة الإدراك خلال الأيام المدرسية.

وبناء على ذلك فإن مبادرة التدريب المبكر يجب أن تتبناها المؤسسات التعليمية على مستوى الدولة من خلال تفعيل الشراكة مع المؤسسات الصناعية والحكومية والخاصة، من أجل العمل الوطني المشترك نحو بناء أجيال إماراتية قادرة على توجيه مستقبلهم المهني نحو التخصصات التي تبني عليها الدولة خططها التنموية، لتحقيق مجتمع الاقتصاد المعرفي المنشود.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر