5 دقائق

ردّي الزيارة

سامي الخليفي

كنا صغاراً، وكانت أمي تزور الجيران، ومرت السنون وكبرنا وتغيرت الأحوال، وأصبحت قلوبنا في شتات، واختفى من واقعنا ومن الدراما شعار «الجار قبل الدار»، وغاب الحوار بين الناس، وبدأ يحدث بعض الأمور الغريبة، ففي عيد الشجرة نزرع فتظهر مطبات، وفي عيد البيئة نزرع فتخرج رادارات، ويومياً يقوم عمال نظافة تحولوا في عصر التشفير إلى متسولين «بيونيفورم»، في بعثرة محتويات القمامة، ثم تظهر القطط لتنظف الشارع، وأمامك سكة سفر، وبرجك اليوم ينصحك بـ«انتبه إلى الرادار» .

الحياة مسرح والناس فيها ممثلون، وما أكثر الجيران حين تعدهم، لكنهم عند الزيارات قليلون، ومنذ القدم سادت عادات ثم بادت، من تلك العادات تبادل الزيارات بين الجار والمجرور، ومع ظهور جيل جديد من سخانات الحمام ظهر نوع حديث من الجيران لا يلتقون إلا في المناسبات وبنظام خروج المغلوب، فقانون الجيرة الجديد يقول في مادته الأولى والأخيرة «لا يسأل أحد عن أحد»، فأصبحت زياراتهم «دايت» خالية من السكر والمشاعر، «لا تنسَ موضوع الرادار»، ثم تطورت الأمور ووضع البعض لافتة خارج منزله تظهر اسمه ومنصبه في الحياة «علشان كل واحد يلزم حدوده»، وأصبحت أسوار المنازل خط تماس بين الفرقاء، وفي كل فيلم النهاية هي الأهم، وفي فيلم «رعد على المكسيك» حدث خطأ تقني انتهى بفشل الفيلم، والسبب أن البطلة قامت بزيارة جارتها، فإن كنت جاري فساعدني كي أرحل عنك، وإن كنت صديقي فساعدني كي أستلف منك «أعتقد في رادار قدام».

أصبحت مع عائلتي خارج تصنيف أثرياء المنطقة التي نسكنها، مع هذا باستطاعتنا تمييز الهوامير، من خلال لوحات سياراتهم، وأصبح احترامنا لهم تبعاً للموديل والرقم «دخيلك لا تنسَ الرادار»، وعلى سور منزلنا جملة مكتوبة باللون الأحمر وبخط طفولي غير منتظم «في ناس تحب تأخذ كل حاجة مع انها مش محتاجة»، وبصراحة مازلت أبحث عن جارٍ «أُولد فاشن» وطبعاً الدفـع كاش، والوسطـاء يمتنعون، «يمكن يكون رادار متحرك»، والحاج «الديزل» من فصيلة الرخويات فخذ المحاريات، له جسم طفيلي يتكيف مع محيطه، أصيب بلعنة التواضع منذ أن بدأ المنتخب يشارك بمبدأ «يا صابت يا خابت»، فهو بلا سكن والسبب يعود إلى ظروف المباراة ونقص الأكسجين، وكلما راجع البلدية يجد المسؤولين مشغولين بالبحث عن لقمة العيش، ومع كل زيارة يقترب منه «الفراش»، ويصرخ في أذنه «إن زيارتك تهمنا، سيتم الرد عليك بعد قليل»، فينصرف وهو «يبرطم» بكلمات غير مفهومة، «خفف السرعة، لا تنسَ الرادار»، فيا ترى ما الذي كان «يبرطم» به «الديزل»! أنتظر منكم إجابات تشفي صدور قوم مؤمنين.

مبروك، صورك الرادار!

samy_alain@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر