5 دقائق

أن تكون مكانهم

حمدان الشاعر

استطاع العلماء الألمان، أخيراً، ابتكار حلّة تجعل من يرتديها كأنه في الثمانين من عمره، وذلك في محاولة لمساعدة طلبة طب الشيخوخة ومعالجي كبار السن نحو فهم أدق لطبيعة التقدم في العمر. وتم تزويد هذه الحلة بأثقال عند المفاصل تعيق الحركة الطبيعية وقفازات تقيد حركة اليدين، ونظارات تصعب الرؤية بها وسماعات أذن تعيق السمع وزوج أحذية بالكاد المشي بها، بحيث يكون الممارس قريباً من الظروف الجسدية ذاتها التي يعانيها الكبار.

أن تعيش حياة الآخر ومعاناته يعني أن تقدّر ظروفه وتستوعب حجم مشكلاته، وبالتالي تُقدر حجم احتياجه لمساعدتك، فلربما لو فعلنا جميعاً وارتدينا ثياب الآخرين لكانت الحياة أكثر عدلاً بكثير.

فاستيعاب ظروف الآخرين ومعايشتها ليسا بالضرورة للإحساس بالظروف الجسدية وحدها، بل هما كذلك لاستشعار الظروف النفسية والاجتماعية لدى الآخر، والتي عادةً ما تكون أشد قسوة من غيرها. فالشعور الجسدي والنفسي بمعاناة الآخر دليل نضج ووسيلة فهم لتغيير السلوك إلى نسق قائم على قاعدة من المعرفة والتبصر عما كان عليه الحال وما ينبغي عليه أن يكون.

كثير من العبادات هي وسيلة لاستشعار معاناة الآخرين، فالصوم تقدير لمعاناة الجائع، والزكاة إحساس بحاجة الفقير، ففيهما تهذيب للنفس وتطويعها نحو نهج إنساني أكثر صفاءً والتزاماً تجاه شرائح المجتمع الأخرى، فكثير منا في تعامله مع الآخرين لا يود أن يتصور ظروف الآخر واحتياجاته فينأى بنفسه عن الفهم المطلوب لواقع الساعي إليه باستشعار مشكلاته وأزماته.

الموظف الذي يطبق من القانون نصه لا روحه دون النظر في حالة من أمامه سيقع في فخ من لا يرى أبعد من أنفه، فليس المريض وحده من يحتاج إلى من يحس بألمه، فالساعي نحو قرض مصرفي أو منحة سكنية أو أية خدمة عامة أو خاصة يحتاج إلى أن يجعل الآخرين محله، وفي المقابل ليس الأطباء فقط من بحاجة إلى أن يرتدوا ثياب المرض، فالكل مطالب بأن يضع نفسه مكان الآخر لتكون الصورة أكثر وضوحاً والحياة أكثر احتمالاً، والألم والفرحة مشتركين بين الجميع، فالعدالة لا يطلب الإنسان أكثر منها.

 hkshaer@dm.gov.ae

تويتر