رؤية

حوارنا الاستراتيجي مع العالم

نجيب الشامسي

هل يمكن لدولة صغيرة في حجمها، محدودة في إمكاناتها، ذات اقتصاد ضعيف نسبياً في قاعدته الإنتاجية، أن يكون لها شأن وحضور ملموس في الساحة الاقتصادية الدولية، وأن تكون لاعباً مهماً في صناعة القرار الاقتصادي، وشريكاً في صياغته؟!

نعم، يمكن ذلك، والتاريخ يؤكد على حقيقة دول لا تمتلك من الموارد والثروات إلا حجماً معيناً أو عناصر محدودة، واستطاعت أن يكون لها حضورها الدولي، إذ إن ذلك الحضور وتلك الأهمية يعتمدان على قدرة القيادات الاقتصادية في تلك الدولة على فهم المتغيرات الاقتصادية العالمية، والاستفادة من الفرص التي تتوافر في اقتصادات دول العالم وأسواقها، نتيجة التباينات في سياساتها واستراتيجياتها، وأن تمتلك تلك الدولة رؤية استراتيجية تتضمن أهدافها وسبل تحقيقها ومصالحها ومكامن وجودها.

ودولة الإمارات، ذات الحجم الصغير، هي دولة ناشئة، ويتسم اقتصادها بضعف قاعدته الإنتاجية، لكنها تسعى لأن يكون لها حضور دولي من خلال عدد من الاتفاقات الاقتصادية التي تسعى إلى إبرامها، وهذا مرهون بقدرة القيادة الاقتصادية على تبني وترجمة الاعتبارات السالفة الذكر، وأن يكون لها حوارات استراتيجية مع دول ومنظمات ومجموعات استراتيجية تبنى على أساس مصالح استراتيجية طويلة الأجل، وأن تكون تلك المصالح متكافئة للطرفين، وأن تشمل مختلف الأبعاد الاقتصادية والسياسية والأمنية والثقافية والتنموية، مع ضرورة ألا يغيب أي بعد من تلك الأبعاد في أي حوار أو حوارات تتم.

من ناحية أخرى، فإن تحقيق النجاح المنشود في أي حوار مع أي من الدول والمنظمات يعتمد أساساً على معرفة أكيدة من قبل المفاوض أو الفريق المفاوض الإماراتي لمصادر ومقومات القوة، والميزة النسبية التي يمتلكها الطرف الآخر، ثم تحديد ماهية المصالح والمنافع التي يتوقع أن يحصل أو يسعى إليها الطرف الآخر من دولتنا، وتحديد المصالح التي نبحث عن تحقيقها من واقع معرفتنا بالمزايا ومصادر القوة في اقتصاد الدولة أو المجموعة التي تمثل الطرف الآخر، كذلك يعتمد تحقيق الهدف من المفاوضات والحوارات على مدى معرفة المفاوض الإماراتي بماهية السقوف أو الحدود القصوى، التي يمكن أن يصل إليها ويحصل عليها من الطرف الآخر، وماهية السقوف أو الحدود الدنيا التي يمكن أن يقدمها للطرف الثاني في هذه المفاوضات.

من ناحية أخرى، فإن نجاح تلك المفاوضات أو الحوارات الاستراتيجية يعتمد على وجود ضمانات كافية تكفل تنفيذ الاتفاق، وآليات سهلة وغير معقدة تسّرع من تنفيذ وترجمة بنود الاتفاق من دون أي مضاعفات أو احتقان، كذلك أهمية أن يكون هناك برنامج زمني تقسم بنود الاتفاق على ضوئه إلى مراحل، بحيث يتم تنفيذ ذلك الاتفاق وفق مراحل زمنية محددة، لضمان نجاح التنفيذ وتحقيق الالتزام.

إن كل تلك الجوانب يجب أن تحتويها أجندة تتضمن جميع الصلاحيات والرؤى والاستراتيجيات، فالمفاوضات والحوارات هما أشبه بساحة حرب اقتصادية يمكن أن يخرج منها المفاوض منتصراً أو خاسراً، فهل يعي المفاوض الإماراتي كل هذا؟!

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر