يا جماعة لخير

عائشة محمد المحياس

تعمل عفراء مساعداً إدارياً، وهي خريجة جديدة في كلية التقنية، وتنتظر حفل التخرج بفارغ الصبر، في العشرينات من عمرها، ودائماً ما يخيم عليها الصمت، وتصبح شاردة الذهن، عفراء امرأة مطلقة وأم لثلاثة أطفال، تراهم من فترة إلى أخرى، فهم يسكنون عند والدهم، في إمارة غير إمارتها، فهي لا تملك المكان أو المال لتحتويهم، فمنزل والدها يسكنه إخوتها المتزوجون مع أبنائهم، وهو منزل شعبي متهالك لا يكاد يكفي والديها وإخوتها، خصوصاً أنها تشارك أختها غرفتها.

لماذا أصبحت فتياتنا يحملن هماً أكبر منهن؟ لماذا شابات في عمر الصبا يتحملن أخطاء غيرهن؟ لماذا لا يُحاسب المسؤولون عن ذلك، رجالاً ونساء؟ لماذا أصبح في كل بيت فتيات إما مطلقات أو كبيرات في السن ولم يتزوجن حتى الآن؟ من المسؤول عن ذلك؟ من يلملم الجروح والآلام؟

من يتحمل هم عفراء وغيرها ممن يحملن المصير نفسه؟ من يخفف آلامها وهي تنام بعيدة عن فلذات أكبادها؟ من يتحمل القلق اليومي والتفكير في مصيرهم وهي بعيدة عنهم؟ هل تعشوا، هل ذاكروا، كيف هن بناتها الآن؟ ماذا يفعل ابنها الآن؟ من يتحمل مسؤولية فقدانها حضن أبنائها قبل النوم وفي الصباح؟ زمن مؤلم ويجب تغييره إلى زمن مفرح.

إن الإهمال بكل أنواعه، وعدم الاهتمام باحتياجات الأسرة والزوجة والأولاد، يعدان من الأسباب الرئيسة للطلاق، ناهيك عن إدمان الزوج الكحوليات والمسكرات، وقيامه بالعلاقات المحرمة خارج نطاق الزواج، والزواج من أجنبيات، والتعدد غير المبرر لأكثر من زوجة في بعض من الأحيان، وضعف الوازع الديني والتربوي، والجهل بالدور الأسري المنوط به بالنسبة للزوجين، كلها عوامل تؤدي أيضاً إلى الطلاق. فالمسؤولية مشتركة بين الزوجين، فسوء سلوك الطرفين، وعدم التربية الحسنة، وتدخل الأهل السافر في خصوصيات الأبناء، مع عدم قدرة الزوج على تحقيق الاستقلالية مادياً، وضعف شخصية الزوج أو الزوجة، والتردد في اتخاذ القرارات، أدت إلى وقوع الكثيرين في الطلاق بشكل مستعجل، فمجتمع الإمارات الذي يواجه مشكلات عنوسة، يضيف إلى مشكلاته الاجتماعية عبئاً ضخماً اسمه الطلاق.

يزيد الطلاق العبء الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، بتوفير السكن والبدل المادي للأسر المشتتة والمطلقات والأبناء، وتراكم الآثار النفسية على مختلف أفراد الأسرة، وحدوث نقص في إنجاب المواطنين، وزيادة العداوة والبغضاء بين الأسر، والآثار السلبية في الأطفال، التي تبدأ من الاضطرابات النفسية إلى السلوك المنحرف والجريمة، خصوصاً أن زواج أحد الأبوين مرة أخرى يعمل على زيادة الأثر النفسي في الأبناء، فزواج الوالد يزيد من التوتر النفسي للطفل، مقارنة بحالة زواج الأم، كما أثبتت بعض الدراسات.

الألم الذي يعانيه المطلقون والمطلقات كفيل بأن يجعلنا نعيد إلى الأسر فرحها واستقرارها، بدءاً من وسائل الإعلام والمؤسسات الاجتماعية، لطرح حلول عملية بدلاً من الحلول النظرية، وسن القوانين الشرعية والمدنية، لتقنين الطلاق والزواج من أجانب، خصوصاً بين المواطنين والمواطنات، وزيادة الوعي بأضرار الطلاق، والحد من تدخل الأسر في خصوصيات أبنائهم، خصوصاً المتزوجين حديثاً، والاهتمام بالمناهج التعليمية بوضع منهج للتربية الأسرية، والتركيز على زيادة الوازع الديني، والاهتمام بالأعراف والتقاليد الاجتماعية، في ردع السلوكيات المنحرفة والمحرمة بالنسبة للرجال والنساء في الوقت نفسه.

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر