رؤية

حينما يأتي التدخل متأخراً

نجيب الشامسي

دوماً يأتي تدخل الحكومات العربية متأخراً عند معالجتها الأزمات الاقتصادية والمعيشية الخانقة للإنسان والمجتمع. لماذا لا تسعى تلك الحكومات إلى التدخل والمعالجة، إلا بعد حدوث اضطرابات اجتماعية، وأزمات سياسية، وعصيان مدني، وهزات يحدثها أبناء المجتمع، رد فعل طبيعياً لما يعانون من أزمات معيشية خانقة، وظروف اجتماعية واقتصادية صعبة؟

إذا كانت التقارير الدولية الصادرة من مؤسسات دولية، تؤكد على مؤشر ارتفاع تكلفة المعيشة في مجتمعاتنا، وإذا كان الإعلام يصرخ ويشرح أن هناك أزمات معيشية خانقة، وأن ارتفاع الأسعار أصبح أمراً صعباً وخطراً ولا يطاق، خصوصاً الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وأن الفقر أصبح يطال شرائح مهمة من المجتمع، وأن السكان في هذه الدول ينفقون أكثر من 50٪ من دخولهم الشهرية على شراء سلع غذائية ضرورية، وأن دخولهم الشهرية والسنوية أصبحت تتآكل بحكم هذا الارتفاع، وأن الادخار لم يعد ممكناً في ظل هذه الفوضى السعرية، والارتفاعات المتكررة، لاسيما في دول تشهد أسواقها مختلف صور الاحتكار والتلاعب في الأسعار، وأن أي زيادات في الرواتب والأجور لم تعد كافيةً لمواجهة موجات الارتفاع في الأسعار، خصوصاً السلع الغذائية والاستهلاكية، فكيف هي حال أولئك المتقاعدين الذين تجمّدت رواتبهم، وزادت التزاماتهم، وتفاقمت أعباء معيشتهم؟

وكيف تواجه تلك الشرائح من المجتمع، في ظل عدم التدخل المباشر من قبل الحكومات، أعباء معيشية صعبة؟ وماذا يمكن أن تفعل؟ وكيف يمكن لتلك الأسر التي تجمدت دخولها المالية، أو ازدادت بشكل محدود للغاية، لا يوازي الزيادات في الأسعار، فيما أفرادها يتزايدون، ومتطلباتهم الحياتية، أن تواجه تلك الظروف؟ وكيف لشريحة العاطلين عن العمل من خريجين وخريجات، لم يجدوا من ينصفهم، لا حكوماتهم، ولا القطاع الخاص، ولا حتى المجتمع، أن تواجه متطلبات الحياة؟

الدخول الشهرية تتبخر بسرعة جنونية، والأسعار ترتفع بمعدلات فلكية، والتقارير الدولية لا تحمل سوى أخبار صعبة للمستهلكين، خصوصاً من ذوي الدخول المحدودة، ومقابل كل ما يحدث في الأسواق، وما تتناقله الأخبار، وما تتضمنه التقارير، لا وجود لحراك حقيقي من قبل حكوماتنا العربية، لا من حيث القيام بحملات تفتيشية على الأسواق، للحد من التلاعب في الأسعار، أو معالجة الاحتكارات، فماذا يمكن أن يفعل الناس حيال كل تلك التحديات والصعوبات المعيشية؟ وماذا يفعل هؤلاء المتضررون حيال حكومات لا تحرك ساكناً تجاه ما يحدث في الأسواق؟

إن من الطبيعي أن تحدث الاحتجاجات، وتتأزم الأمور، وتخرج الناس تعلن عصيانها المدني، ثم ثورتها، وحينها لا يكفي هؤلاء أي مسكنات مؤقتة، ولا تقنعهم قرارات فارغة للعودة إلى بيوتهم وأماكن أعمالهم، وإنما من الطبيعي أن يكون سقف مطالبهم عالياً، ليس في حقوقهم الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية، وإنما في حقوق صعبة، أقلها الإطاحة بالأنظمة الحاكمة، حتى لو كان ذلك يؤدي إلى الفوضى، فقد خرجوا بعد أن اتفقوا على أنه لا عودة إلا بعد تحقيق مطالبهم التي تتمثل في رأس الحاكم، فلم يعد لديهم شيء يخسرونه، ولم يعودوا يخافون على شيء يملكونه.

وهنا يبدأ سيناريو التنازلات الصعبة من قبل الحكام الذين يتوسلون الحوار، ولكن لا جدوى، فسقف المطالب أصبح عالياً، وعالياً جداً، ولا تكفي أنصاف الحلول «بعد خراب البصرة».

alshamsi.n@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر