الدوائر لا تتحمّل المسؤولية أحياناً!

من الخطأ أيضاً أن نلقي بمسببات قلة توظيف المواطنين كافة على المسؤولين، في الجهات والدوائر الحكومية، ومن غير المنطقي أيضاً أن ترسم صورة كبيرة سيئة عن مسؤولين مواطنين لا يرغبون في التوطين، ويحاربونه، ويسعون إلى إبعاد كل مواطن كفء، لا شك في أنها صورة مبالغ فيها تماماً، وإن وجدت مثل هذه النماذج في واقعنا العملي، فلا ريب أنها صور فردية، تمثل أعداداً قليلة جداً من عموم الدوائر والوزارات والجهات الحكومية.

هناك جهود حقيقية تبذل في هذا المجال، وهناك جهات حكومية في قمة التعاون، وهناك وظائف كثيرة يصر المسؤولون، في دوائر عدة، على ملئها بالمواطنين، وفي المقابل هناك ظروف كثيرة تمنعهم من ذلك أيضاً.

الظرف الأول، وعلينا الاقتناع به شئنا أم أبينا، وبعيداً عن العواطف والكلام العام، الذي يردده كثيرون، هناك بالفعل نقص كبير في أعداد المواطنين المؤهلين للعمل في مجالات عدة، يصعب علي حصرها الآن، لكن هناك بالفعل حاجة ماسة إلى شغلها مع وجود نقص واضح في المواطنين، وفي مقابل ذلك هناك وفرة شديدة في مجالات أخرى أقل أهمية، تكثر فيها طلبات التوظيف، ويقل عدد الشواغر، ربما لا يكون ذلك ذنب المتقدمين لشغل هذه الوظائف، لكن هذا الوضع هو أمر واقع موجود، يحتاج إلى جهد سنوات طويلة مقبلة، لتأهيل وتدريب مواطنين، وقبل ذلك تعليمهم وفقاً لحاجة السوق الفعلية.

أمر آخر لاحظه مسؤولون عن توظيف المواطنين، وهو سرعة تسربهم من الوظيفة بعد الحصول عليها، ففي دائرة من دوائر دبي، والتي عينت من خلال معرض التوظيف العام الماضي 50 مواطناً، وشاركت هذا العام في المعرض ذاته، لتعيين 50 آخرين، لأن جميع من تم تعيينهم تركوا وظائفهم بين ثلاثة إلى ستة أشهر!

قد تكون هناك أسباب لها علاقة بالوظيفة، لكنها مهما كانت فهي أفضل من البطالة، خصوصاً أن رواتب الدوائر المحلية في دبي مقبولة بل جيدة، فما الذي يجعل 50 شاباً وشابة، كانوا يعانون البطالة، يتركون وظائف جيدة خلال ثلاثة أشهر؟! لا أحد يستطيع الإجابة، لأن الموضوع بحاجة إلى دراسة أعمق، وهذه هي الحال في موضوع التوطين في الإمارات، لا أحد يملك أرقاماً صحيحة، ولا أحد يملك إجابات، وكذلك لا يمكن أبداً إلقاء مسؤولية عدم التوظيف على الجهات والدوائر وحدها، أو على الشباب وحدهم، فالمسألة في قمة التعقيد والغموض!

مواطنون ومواطنات كثر، يتركون وظائفهم، لأنهم يشعرون بمعاملة غير مناسبة من مسؤول أو مسؤولة مباشرة، طبعاً مفهوم المعاملة غير المناسبة فضفاض ومطاط، قليل منه مبرر، وكثير لا أساس له، وكثيرون هم الباحثون عن وظائف وهم في وظيفة مناسبة، لكنهم يبقون في قائمة الباحثين عن عمل، بينما الحقيقة أنهم باحثون عن وضع أفضل، ولا عيب ولا خلاف على ذلك، لكن يجب فصلهم في قائمة أخرى غير قائمة البطالة.

ومع ذلك، فالصورة النمطية عن «دلع» المواطنين وكسلهم، وعدم رغبتهم في العمل في وظائف بسيطة، خاطئة تماماً، ولا أساس لها، فهم أكثر إدراكاً ووعياً وحباً للعمل في هذه الفترة الزمنية، لكن هناك صور أخرى نمطية بدأت تظهر، ولابدّ من العمل على مكافحتها والقضاء عليها، لتسهيل توظيف المواطنين.

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

الأكثر مشاركة