دور المفكّرين في الخليج
كتب المفكّر العربي الأميركي إدوارد سعيد أن دور المثقف ليس في جمع السلطة، لكن في دراستها وتحليلها ومسألتها. في دول الخليج ينظر إلى دور المثقف بالكثير من الريبة، فأحياناً يتهم بتمثيل وجهة النظر الرسمية، وأحياناً يتهم باتباع جهات أو مجموعات خارجية.
مع الأسف اعتقلت الجهات الرسمية في إحدى الدول الخليجية، أخيراً، أحد المثقفين لتساؤله حول مستقبل البلد السياسي، وفي دولة أخرى سجن مثقف لانتقاده علاقة مسؤول بتمويل خارجي. هل هذه هي الطريقة المثلى للتعامل مع المثقفين؟ لا ينبغي على دول الخليج أن تخشى مثقفيها، فهم يمارسون دوراً حيوياً في بناء الجسور بين الشعوب والمسؤولين، خصوصاً في ظل غياب دور فاعل للبرلمانات في معظم دول الخليج، وبين الدولة نفسها والإعلام الخارجي بتقديمهم وجهة نظر محايدة عن بلدهم.
حريّ بدول الخليج أن تفتخر بعموم المثقفين البارزين والناشئين بين شعوبهم، ففي كثير من الأحيان يقومون بالتصدي للدفاع عن أوطانهم في المنتديات العالمية. مثلاً أثناء احتلال الكويت لعب المثقفون الكويتيون دوراً كبيراً في تمثيل وطنهم عبر وسائل الإعلام، وفي العام الماضي التفّ مثقفون إماراتيون حول مدينة دبي حين شنت عليها بعض وسائل الإعلام هجوماً افتقر إلى مبررات واقعية، كما مارس المثقفون القطريون دوراً مرادفاً للإعلام الوطني قبيل فوز قطر باستضافة مونديال ،2022 ويمارس المثقفون السعوديون دوراً حيوياً في تفسير الطبيعة الخاصة لوطنهم للعالم الخارجي عبر الإعلام التقليدي والرقمي، وهم لا أيرون ضيراً في انتقاد أمور بحاجة إلى تصويب في نظرهم.
لا ينبغي الاستهانة بأهمية دور عموم المثقفين والمفكرين في الخليج الذين تستطيع الحكومات الاستعانة بهم، أو الذين يتطوعون لتمثيل أوطانهم. القوة الثقافية الفاعلة الكائنة في عقولهم تمتد من استقلاليتهم في التفكير. هم أساتذة، وعلماء، وباحثون، وكتاب، وحقوقيون يخدمون أوطانهم عبر النقد البناء ومساءلة الحكومات عن كل ما يؤثر في مناحي الحياة، كأوجه الصرف العام مثلاً، والأغلبية بينهم تريد الخير لأوطانهم.
دول الخليج بحاجة إلى وجود تركيبة متوازنة من المثقفين المتديّنين والليبراليين وغيرهم من المؤثرين في الساحة، لكي تتقدم مجتمعاتهم بشكل صحيح. في مجلس ولي عهد أبوظبي، كما في بعض الدواوين في الكويت، تعطى المنابر لمثقفين من شتى أنحاء العالم لطرح أفكارهم بحرّية. فإن تفهّمت القيادة في الإمارات دور عموم المثقفين فحريّ ببقية فئات المجتمع من مسؤولين وعامة أن يتفهموه أيضاً. ما دام المفكر لا يحمل أجندة خارجية تؤثر في المصالح الوطنية العليا يجب أن ننظر إليه أو إليها صوتاً يسهم في تعزيز فرص التقارب في المجتمع وليس تهديداً. ففي معظم الأحيان تكون تساؤلات هؤلاء المثقفين ممتدة من قلق مشروع بحاجة إلى أن تلتفت إليه السلطات.
فليتجنب المثقفون في الخليج الوقوع فريسة للمؤثرات الخارجية وليدعوا إلى الإصلاح والتطوير من خلال القنوات الشرعية. وعليهم أيضاً أن يتفهموا أن أحد الأسباب الرئيسة للنمو الاقتصادي الهائل في المنطقة هو سياسات الحكومات في الخليج.
الدراسة والتحليل والتساؤل تعد جوهر الإنسانية، وهي سمات تمتّع بها الرسل عليهم السلام، وهي التي أوصلت أكبر مخترعين عرفهم التاريخ إلى اكتشافاتهم. فعلينا التفكير في هذا السؤال: هل نعتبر المفكّر إدوارد سعيد صوتاً يفتخر بإنجازاته أم تهديداً؟
زميل غير مقيم
في كلية دبي للإدارة الحكومية
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .