‏إلكترونية القصيدة العربي‏

‏إذا كان التجديد في الأدب العربي والعالمي معناه ابتكار ما هو غير مألوف فقد جرنا الضجر إلى ضجر مماثل حين وقعنا في فخ أمسية لشاعر عربي تحوّل من قراءة الشعر إلى اللعب عليه وعلينا في آن واحد.

الأمسية التي جاءت ضمن مهرجان احتوى على فعاليات تشكيلية وشعرية كانت عبارة عن لعبة ترقيص حواجب بامتياز، وذلك لأن الشاعر لم يك لاعب نرد والقصيدة حجره بحسب وصف مالارميه بقدر ما كان يلعب بالبيضة والحجر إلى الحد الذي جعلنا نكفر بالتجديد الذي ظهر في هذه الأمسية على شكل قرص مدمج بعنوان «الأبيات تخرج من بيوتها» وهي محاولة أولى في إلكترونية العربية.

ولئلا نفقد أدب المجاملة حشرنا في المقاعد بعد مقدمة باهتة أظهرت البيت الشعري على الشاشة مكتوباً ثم طارت منه حروف الجر على شكل طيور مخلفة فراغاً في البيت الشعري، وما هي إلا لحظات حتى عادت إلى البيت وإلى الهيئة نفسها، وعلى مدار ساعتين ظلت الحروف تطير والشاعر يشرح ونحن مثل تلاميذ نجلس في العتمة أمام هذا المنشط الضالع في تشكيل قوس قزح باللغة العربية من دون أن يكون للقاعة المعتمة أي مهرب للحرائق أو أي باب للنجاة.

المهم استفرد بنا هذا الشاعر فلا هو عدّل ولا هو بدل في شروط اللعبة الشعريّة ولا أحدث ملمحاً استثنائيّا أو غواية ثمينة أو لعينة تشبه تلك الغوايات التي تحقق فيها أن الشعر لا يقتصر على عمود متوارث، بل هو قابل لصياغات مختلفة، فكانت الخيبة بحجم لا يستهان به بعد أن استقرت في خلاصة قدمها تقول إنه «كبسل» القصيدة، بحسب تعبيره، ليصنع معجزة في زمن العولمة عبر إيحاءات مشهدية من حروف تطير وأخرى تهبط، وكأن الأهم أن تطير الحروف في القصيدة لا أن تتجمع في هذه المغامرة التي حظيت بالغمز والَلمز من الجمهور.

لقد حاول الشاعر عبثاً أن يقدم اقتراحاً جمالياً وتوسلَ ذلك، ولكنه لم يقنع أحداً بجدوى ما فعل، خصوصاً وان الجمهور اكتشف اللعبة ببساطة كما اكتشف أن الشاعر وقف خلف قالب لا يمكن وصفه بالشكلي ولا يمكن القول بشأن صاحبه سوى أنه فشل في فهم التجديد الذي يعني قفزة خارج المفاهيم القائمة التي يمكن أن تغير في نظام الأشياء وفي نظام النظر إليها بحسب أدونيس، كما فشل في الانضمام إلى من ساهموا في تطوير القصيدة العربية سواء من حيث البنية الإيقاعية أوحتى من حيث الفتوحات الجديدة لقصيدة النثر، لفقدانه أبرز ملامح النزعة الجمالية التي افتقرت لخصيصة الإدهاش التي كان يجب أن تتوافر في قصيدته الالكترونية في فن الالقاء وبين المبنى والمعنى.

أكثر من أربع ساعات ضاعت هدراً في هذه الأمسية وفي الطريق إليها، ولو جمعنا عدد الساعات التي ضاعت بنا أو التي ضعنا بها لكانت كافية لإصلاح بعض الشؤون العائلية أو قراءة كتاب مؤجل أو للنوم أو لسقاية حديقة البيت وتخليصها من الأعشاب الضارة بدلاً من السقوط في هذا الفخ الذي جاب خمس دول عربية من غير أن ينهض متابع واحد ليوقف العرض ويقول لصاحبه كفى. ‏

‏zeyad_alanani@yahoo.com

الأكثر مشاركة