أعطني هذا الدواء

حمدان الشاعر

يشهد العالم أن أقدم متجر لبيع وتحضير الدواء افتتح في بغداد عام 754 م، ومن ثم توسعت المتاجر والصيدليات لتنتشر في معظم أرجاء العالم الإسلامي، ثم انتقلت إلى أوروبا، حتى إنه بحلول القرن الـ19 تطور معظم متاجر الدواء إلى شركات دوائية أكبر، إلا أن اكتشاف أدوية كالأنسولين والبنسلين في العشرينات من القرن الماضي أدى إلى بروز «الإنتاج الضخم» للدواء، ومع تطور التشريعات في الخمسينات نمت الصناعة الدوائية لتواكب المنهجيات العلمية بناءً على فهم بيولوجية الإنسان وتطبيق تقنيات موثقة للتصنيع.

وفي السبعينات نمت الصناعة الدوائية بسرعة أكبر مع ظهور التشريعات المنظمة للملكية الفكرية وبراءات الاختراع، ثم ظهور الشركات الدوائية الكبرى التي تضخ مبالغ طائلة في الابتكار والتطوير تراوح بين 1 و1.7 مليار دولار لاكتشاف وإنتاج دواء جديد واحد. وعلى الرغم من الشكوك حول العلاقة بين الأمراض وشركات الدواء، وهيمنة هذه الشركات على كثير من المشرعين ومؤسسات البحث، وتسلحها بغطاء قانوني لضمان مأمونية الدواء وشرعية التسويق واحتكاره، فإنه لا يمكن إنكار نجاعة كثير من الأدوية في حل العديد من المعضلات والأمراض التي واجهت البشرية وتتزايد في عصرنا بوتيرة أسرع عن ذي قبل.

حجم مبيعات سوق الدواء العالمية يتجاوز الـ400 مليار دولار (2008) مع هيمنة لشركات محدودة ، فيكفي أن نعرف أن صافي ربح شركة مثل فايزر الأميركية سنوياً نحو 20 مليار دولار، وشركة نوفاريتس السويسرية 11 ملياراً، وشركة غلاكسوسميث البريطانية 10 مليارات دولار (2006).

لقد أفرزت سوق الدواء تحديات عدة لدى دولنا العربية فلم يعد الأمر منحصراً في عدم وجود صناعة دوائية رائدة، بل إن كثيراً من الأدوية التي يتم تداولها هي مغشوشة، والحال قد وصلت إلى مرحلة صعبة من غش المرضى حين يُقدم لهم مستحضر دون رقابة حقيقية على جهة تصنيعه أو تسويقه، وإذا كانت السوق عبارة عن عرض وطلب فما أقسى أن يكون «العرض» مسموماً بغش وتدليس ويكون «الطلب» مقروناً باستغلال بشع لحالات مرضية صعبة. والغش قد يكون في أدوية مستوردة من الخارج وقد يكون منتجاً في مناطقنا الحرة التي لا تخضع الصناعة فيها لرقابة دوائية تضمن جودة المنتج ومأمونيته، وبالتالي يكون الضرر لاحقاً للإنسان ولسمعة الدولة التي تتضرر حتماً بممارسات غير قانونية وغير إنسانية ينتهجها أجانب بلا وازع أو ضمير. كما تطور الأمر إلى مراحل أقسى حين تحولت صناعة الدواء إلى سوق احتكارية، ولا تتوافر لدى غالبية المرضى خصوصاً للأمراض المزمنة وأمراض السرطان. والسؤال الملح الذي لطالما طُرح ونوقش لماذا لا تتوافر لدينا صناعة دوائية عربية أو وطنية فمصانع الأدوية تعمد إلى إعادة صياغة مستحضرات جديدة لأدوية متداولة ولا تتوافر لديها. القدرة أو المعرفة لابتكار دواء جديد يخلصنا من سطوة مافيا الدواء العالمية ويعزز فرص الاستثمار في هذه الصناعة . ولا يعد الأمر صعباً فالخبرات والأموال متوفرة وما ينقصنا هو الإرادة مع الصبر المفضي للوصول إلى النتائج المرجوة . التخلص من الهيمنة ينقذ ثروات عربية مهدورة في دول الغرب ويبني ثروات أخرى تنعم بالصحة والسلامة.

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر