التعايش مع التركيبة

سامي الريامي

نعاني خللاً في التركيبة السكانية، بكل تأكيد هذا صحيح، ولكننا لسنا الدولة الوحيدة في العالم التي تعاني من هذا الخلل، بل إن دولاً، مثل الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وغيرها كثير، تعاني خللاً في التركيبة، وحتى إن كانت النسبة مختلفة بين تلك الدول في موضوع الخلل، إلا أنها جميعها قلقة بتفاوت حيال ذلك، وتسعى إلى معالجة هذا الأمر.

ربما نكون نحن في وضع أسوأ، نظراً لعوامل عدة، أهمها قلة عدد السكان، والزيادة الكبيرة في عدد الوافدين الأجانب، وانخفاض نسبة العرب بشكل عام، ما يهدد الهوية واللغة، ولكن مع ذلك، علينا أن ندرك تماماً، بل ونؤمن بأهمية وجود الآخر، وأننا بحاجة إلى وجود هذا الآخر بجميع فئاته، ولا يمكن بأي حال الاستغناء عنه في المرحلة الحالية، ولا المستقبل المنظور.

قد لا يُعجب مثل هذا الطرح كثيراً من المواطنين، خصوصاً أولئك الذين تغلب عليهم العاطفة، إلى الدرجة التي تحجب عن أعينهم الأمر الواقع، هذا الواقع الذي يحتّم علينا قبول الآخر والتعامل معه، والإيمان بأن وجوده معنا في المجتمع نفسه أمر مهم للغاية، لضمان استمرارية الرخاء والبناء والحياة.

ليست اتكالية، بقدر ما هي واقعية، يجب أن نعرف أننا لا نستطيع الاستغناء عن الأجانب في يوم وليلة، أو في سنة أو 20 سنة، سنظل نحتاج إلى هذا الأجنبي في أمور كثيرة لا مجال لحصرها الآن، ولكن النقطة الأهم، هي أن يشعر المواطن في الإمارات بأن حقوقه لن تتأثر بوجود الأجنبي، بمعنى أن تعمل الدولة جاهدة لتوفير جميع حقوق المواطن، بدءاً من الحصول على وظيفة مناسبة براتب مناسب، والحصول على المسكن والعلاج وكل الأمور الحياتية المعروفة، ومتى ما حصل المواطن على ما يريد، من دون أن يشعر أن توافد الأجانب انتقص من حقه شيئاً، فإنه بلا شك سيكون أكثر تقبلاً لوجود الآخر بقربه.

أما بدء تذمر بعض المواطنين من وجود أجانب، ومشاعر القلق والخوف من المستقبل، والحديث عن خطر التركيبة، فهو شعور طبيعي جداً، مواكب لشعور الأقلية والخوف من خسارة المكتسبات، وهنا تكمن المشكلة التي يمكن أن تولّد شعوراً بالحقد والكره تجاه الأجنبي، نحن في غنى عن انتشاره.

بالطبع سيشعر المواطن بالظلم إن كان عاطلاً لم يجد وظيفة مناسبة، في حين أن الدولة توظف مئات الآلاف من الأجانب، وبكل تأكيد سيشعر بكره الوافد الذي يحصل على راتب عالٍ، ومزايا خيالية، في حين لا يتعدى راتبه السبعة آلاف درهم، شاملة كل شيء، بعد خصم علاوات الأبناء وغيرها، وبالتأكيد سيشعر بالغبن عندما يقف عند إشارة مرور في سيارته القديمة، وبقربه آسيوي أو أوروبي في مرسيدس أو فيراري!

بالضرورة هنا، سنسمع شكاوى من نوع أنا مواطن ولا أملك شيئاً، أو هذا هندي وراتبه 70 ألفاً.

خلل التركيبة شيء يصعب حله، والحل هو أن نتقبل وجود الآخر، وأن نقتنع ونتعايش مع الواقع، والواقع يحتم وجود الأجانب، واستمرار هذا التقبل لوجود الأجنبي من قبل المواطنين يكمن سره في عدم إحساسهم بتفوق الأجنبي عليهم في الحقوق والمزايا.

 

reyami@emaratalyoum.com

تويتر