مظاهرات مستوردة

لاشك أن مشهد انطلاق مظاهرات لـ«خواجات غربيين» في شوارع القاهرة دفاعاً عن الشعب الفلسطيني، هو لقطة كوميدية بامتياز، مهما كان السياق المأساوي الذي تستدعيه القضية الفلسطينية، والجلال الذي تحتله هذه القضية في ضمير كل إنسان حي.

فالعالم قد تفرج من قبل على مظاهرات شارك فيها متعاطفون أجانب بشكل رمزي مع شعوب، أو شهد حتى مظاهرات متعددة الجنسيات في روما وسياتل وكوبنهاغن، في مواجهة تحديات عالمية مشتركة، كالعولمة والمناخ، ولكن ربما كانت المرة الأولى في التاريخ التي يأتي فيها نشطاء أجانب إلى أرض شعب آخر ليطلقوا مظاهرات بشأن مشكلة من صميم قضاياه.

الخواجات يُشكرون ــ لاجدال ــ على تلك المبادرة، وفي «نن» العين والقلب، تلك المشاعر الأممية الفياضة لشبان وفتيات أجانب مثل الورد تركوا حياتهم الناعمة والوارفة في أوروبا وأميركا ليجيئوا إلى شرقنا التعيس تضامناً مع شعوبه التي قتلتها البلادة انطلاقاً فقط من فكرة العدالة، بغض النظر عن اختلاف الجنس أو اللون أو الدين، لكن هذه الإشارة لا تغني عن السؤال،حسناً مظاهرات مستوردة.. طب والإخوة من السكان المحليين بالمنطقة أين ذهبوا؟

ليكن، وباسم الأممية اللذيذة، مقبولاً أن يقدم ليبراليون ويساريون وحقوقيون غربيون يناضلون بالكلمة والهتاف ضد جرائم الكيان الصهيوني وحصار أهلنا في غزة، لكن شعوب المنطقة أليس عليها أي دور أخلاقي أو ضميري في الحياة. سنفترض أن هذه الدول انسحبت من الحرب وويلاتها ومن السلم ومفاوضاته، أليس بالإمكان تنظيم احتجاجات سلمية شعبية تفضح للعالم الجرائم الاسرائيلية، أو حتى على الأقل مظاهرات تضامنية مع المتضامنين الأجانب، بدلاًمن هذا المشهد الذي يقترب من العبث؟ سلسلة الأسئلة الطويلة وإحراجاتها لا تنتهي.

قد يرد البعض بالقول إن مظاهرات الأجانب طبيعية في ظل قوانين تحرم علينا نحن السكان الأصليين في المنطقة العربية التظاهر، بل وحتى مجرد التنفس السياسي، وفي ظل الحماية الخاصة التي يتمتع بها الأجنبي الغربي على أراضينا ضمن القانون وخارجه، لكن هذا بدوره، يذكر بوضع أكثر مهانة، ويعيد الى الذهن ذاكرة مقاومة لظروف أشد قتامة شهدتها المنطقة منذ قرن (مقاومة المصريين للأحكام العرفية 1909)، ويستدعي استفساراً داخلياً جارحاً، وهل انتفى وجودنا الى هذا الحد وأصبحنا شهوداً لانرى حاجة ــ بحيث أصبح المحتل غربياً والمتظاهر ضد الاحتلال غربياً ــ التحديث مستورد والحياة مستوردة وحتى المقاومة مستوردة.

علي أي حال الصوت الرسمي العربي، بمنطق «رضينا بالهم»، لم تعجبه هو الآخر القصة، فخرج من يقول إن دخول النشطاء الأجانب الى القاهرة تم بـ«فيزا سياحية»، وهي لا تعطيهم الحق في التظاهر أو ممارسة أنشطة سياسية في القاهرة.

الحق أن هذا الرد صحيح بنسبة 100٪ ، فلا يمكن لأحد منازعة سلطات في حقها بإلزام زوار بلادها باستحقاقات الفيزا السياحية، كما لا يمكن أن يدافع أحد باطمئنان عن «حق استقدام المظاهرات» للدول والشعوب.

لكن لا هذا ولا ذاك منع قارئ انترنت عربياً تابع خبر الفيزا، من القول «مضبوط، ولكن لماذا لا نمنحهم فيزا سياسة؟». وجهة نظر أيضاً.

 

alayak2005@yahoo.com

تويتر