معنى الاتحاد

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

للاتحاد معانٍ كثيرة دينية واجتماعية ولغوية، وحيثما ذكر هذا اللفظ هزتك مشاعر جياشة تُطرب وتعرب، وتود ألا تفارق سمعك، لما لها من شذى فواح، وصوت صداح، فيا لها من كلمة عظيمة عند الله تعالى وعند الناس!

فاللهُ عز وجل الذي خلق فسوى، والذي قدّر فهدى، جعل الاتحاد فريضة شرعية، وما يفترض على عباده إلا ما يصلح معاشهم ومعادهم، ومع ذلك يثيبهم عليه كونهم امتثلوا أمره، وبرهنوا على طاعته، فحينما خاطب العباد بقوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا..} لم يكن هذا الخطاب ليذهب سدى، فلا يوجد من يطبقه من عباده، بل قد كانت الأمة جميعها في صدرها الأول تتمثله واقعاً وإيماناً، فلما بعُدت الأمة بعض الشيء عن هدي الله القويم، وصراطه المستقيم، تفرقت أيادي سبأ، وذهب ريحها، ووهن أمرها، وهانت على أعدائها، لكن لابد أن يبقى لخطابه سبحانه صدى في قلوب عباده، فكان ذلك في هذه الأمة العظيمة الشأن، الكبيرة الهمة، التي لبت نداء الله تعالى، فألفت الاتحاد الإماراتي النموذجي رُقِياً وأمناً وأماناً ومحبة وتراحماً وإخاء وقوة، وكل ما يخطر في بالك من معاني الخير الممدود، والعمل المحمود.. هذا الاتحاد الذي كان بذرة صالحة، فأورق واخضرّ، وزها وأثمر، وأخرج نباته بإذن ربه ثماراً يانعة تسر الناظرين، وتطعم الجائعين، وتؤمن الخائفين. هذا الاتحاد الذي يفوح شذاه في المشارق والمغارب، وكل من في الكون يود أن يرى أشجاره الباسقة، وثماره اليانعة.. كان هذا الاتحاد لما صفت النيات وابتُغِي به وجه الله والدار الآخرة على يد المرحومين طيبي الأثر والذكر الشيخ زايد والشيخ راشد وإخوانهما حكام الإمارات المتصالحة في الثاني من ديسمبر عام .1971

ذلك هو معنى الاتحاد الذي يحبه الله تعالى ويحبه رسوله صلى الله عليه و سلم، فقد كان يقول: «يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضُلالاً فهداكم الله بي، وعالة فأغناكم الله بي، ومتفرقين فجمعكم الله بي؟..». هكذا يتمنن عليهم- والمنة لله ورسوله- ليذكرهم بنعمة الوحدة والاتحاد، التي جمعت الصف، ووحدت الكلمة، فأصبح للأمة شأن يذكر ومعنى يؤثر، وما كان لها أن تنال ذلك لولا أن الله تعالى ألف بينهم وجعلهم أمة ويداً واحدة على من سواهم.. إن للاتحاد شأناً عظيماً عند الناس؛ فهو يعني أن تكون موصلاً خيرَك، مؤثراً غيرك، حافظاً عهدك.. ولو تأملت هذه المعاني وجدتها متجسدة في هذا الاتحاد الراقي من غير عناء ولا وناء، يقول ذلك بلسان حاله ومقاله وفِعاله، فهل رأيت اتحاداً فدرالياً كهذا؟ وإذا كان الاتحاد يثمر مثل هذا الخير، فأين الناس منه؟ فلم لا يجمعون أمرهم وشركاءهم ويعلنونها وحدة عربية إسلامية؟ ولا ضير أن تبقى كل أمة أو قطر عليها زعامتها، فذلك هدي الإسلام، فلم يكن ينزع عن أحد زعامته أو ملكه إذا أسلم لله رب العالمين، وجعل نفسه أخاً للمؤمنين.. إن هذا الاتحاد العربي الإسلامي النموذجي في العالم كفيل للناس بعيش رغيد، وأمن مزيد، ويوم جديد، فما لهم لا يفعلون، ولا لدينهم يمتثلون، ولا لدنياهم يعملون؟ ألم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية». اللهم نعم!

❊كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي
تويتر