الرسوم الإماراتية في خدمة الوطن
في أولى الجلسات الرمضانية لهذا العام، دعا نادي دبي للصحافة عدداً من الإماراتيين الذين كان لهم الفضل في إطلاق المسلسلات الإماراتية على شكل رسوم متحركة. بدأت هذه المسلسلات بمقاطع قصيرة لا تتعدى الثواني، أرلست عن طريق البلوتوث بين الشباب الإماراتيين لشخصيات شعبية الكرتون منذ خمس سنوات، وأصبحت لنا اليوم حلقات كاملة لشعبية الكرتون وفريج، الذي صار لعجائزه الأربع هوس ليس فقط بين الخليجيين، بل أيضاً بين الأجانب.
ولكن لم تكن الأمور بهذه السهولة لهم. فكان لنا في الإمارات الكثير من البرامج المستوردة في عقد الثمنينات، تترجم جميعها إلى لغة عربية فصحى، وبسببها يتكلم الكثير من جيلي الذي درس في مدارس خاصة لا تهتم باللغة العربية كثيراً هذه اللغة الساحرة في جمالها، حتى إن حيدر محمد أثنى على برنامج «عدنان ولينا»، الذي كان له تأثير في كتابته. فكانت لتلك المسلسلات قصص ومواعظ مثل روح المبادرة والمثابرة. ولكن للأسف أصبحت لنا اليوم برامج هدفها ربحي بحت، ولا حتى لديها منفعة لغوية، فكان مثلاً أحد التعليقات التي وصلتني من أب يمنع أبناءه من مشاهدة «تيمون وبومبا»، الذي يبث بلهجة مصرية عامية.
واليوم بفضل رسوم كفريج وشعبية الكرتون تحولت الإمارات من مستورد للثقافات إلى مصدر لها. فلاحظت ذلك عندما سألني أحد أصدقائي السعوديين عن معنى كلمة «كندورة» التي يستخدمها ابنه الذي طلب من والده أن «يترياه» فسألني صديقي ما معنى هذه الكلمات الغريبة على الثقافة السعودية. قبل مسلسات الرسوم المتحركة تلك لم يكن هناك وجود حقيقي للثقافة الإماراتية في ذهن العرب وحتى الخليجيين الشباب، فمثلاً كان يغني الفنان الإماراتي بلهجة سعودية ويمثل بلهجة كويتية ويدندن بلهجة لبنانية فما الذي تغير؟ أولاً برز جيل جديد من فناني الإمارات لديه فخر بوطنيته، وطموح عالٍ مثل محمد سعيد حارب ونجلاء الشحي وحيدر محمد، الذي عمل لسنين عدة في جريدتي «البيان» و«الإمارات اليوم» رسام كاريكاتور.
وثانياً بروز مسلسل رسوم متحركة كويتي اسمه «قطعة ثلتعش» في سنة 2000 يدور حول حياة أربعة أولاد في حي افتراضي في الكويت، وكان مستوحىً من مسلسل أميركي للبالغين اسمه «ساوث بارك»، ففتح المجال أمام الآخرين لهذه الصناعة الجديدة. قد يكون أقرب مسلسل إماراتي لذلك الأخير هو شعبية الكرتون الذي يحتوي على موضوعات تخص البالغين فقط، كالعنصرية ضد بعد فئات المجتمع والمغازلة، وينبغي على الأهالي أن يدركوا أن هذا مسلسل للكبار، بغض النظر عن أنه على هيئة رسوم متحركة. ودارت الدنيا على الخليج فأصبح الكويتيون المعروفون بروح الإبداع يقلدون فكرة «فريج» الإماراتية بمسلسلهم «أم السعف» الذي تدور حلقاته حول مجموعة عجائز في مجلس، حتى إن أصواتهم وموضوعاتهم ذكرتني بفريج. وعند سؤالهم عن مكان الهوية الإماراتية في مسلسلاتهم، تباينت إجابات المنتجين الإماراتيين. فقال حيدر محمد إن هدفه هو إنتاج برنامج تلفزيوني ناجح، ولا شك بأنه قد فعل ذلك. وقال محمد سعيد حارب أن للهوية الإماراتية مكاناً خاصاً في مسلسله، حيث استخدم كلمات إماراتية كانت قابلة للزوال من مفردات الجيل الجديد، وأشعاراً تراثية، ليعطي فريج روحاً إماراتية. منتجو هذه المسلسلات يخلقون ثقافة داخل ثقافة، ولهم كل الحق بأن يحلموا ويبدعوا كما يشاؤون، كلٌ حسب رؤيته. وهناك مقولة تقول: إن أفضل طريقة للحفاظ على هويتك هي أن تشارك بها الغير. وقد يكون ذلك هو ما فعله محمد سعيد حارب وحيدر محمد ونجلاء الشحي، سواء كان عن قصد أو لم يكن.
*زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية