نموّ الشارقة.. فرصة ضائعة أم صيغة ناجحة؟

سلطان سعود القاسمي

قد يتفاوت الوقت الذي يستغرقه المرء للانتقال بين دبي وشقيقتها الشمالية الشارقة بين 20 دقيقة وساعتين، بحسب موعد الانطلاق واختلاف الوجهة المقصودة. ومن المجحف حقاً أن يشير بعض المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الشارقة، التي تشتق اسمها من الشرق أو الإشراق ويبلغ عدد سكانها 800 ألف نسمة، ومساحتها 1000 ميل مربع، بأنها حجرة نوم دبي باعتبار أن عشرات الآلاف من قاطنيها، المواطنين والمقيمين على حد سواء، يغادرونها يومياً إلى مقار عملهم في إمارة دبي.

وعلى الرغم من أنها أقل تألقاً من دبي، إلا أنها حتماً ليست بأقل سحراً، لاسيما وأنها تحتضن مجموعة متنوعة من المتاحف التخصصية في مجالات الخط العربي، والعلوم، والآثار، والسيارات الكلاسيكية، فضلاً عن مركز الحياة البرية، ومتحف النباتات، ومتحف التاريخ الطبيعي.

وفي إطار فعاليات بينالي الشارقة الدولي للفنون، الحدث الفني الأبرز على مستوى المنطقة، استضاف متحف الشارقة للفنون في شهر مارس من العام الجاري معرض «كنوز من الشرق» للأعمال التصويرية الاستشراقية، الذي ضم أعمالاً لا تقدّر بثمن من مجموعات مختلفة ومن متحف «تيت بريتن»، بالإضافة إلى لوحات مختارة من المجموعة الخاصة لحاكم الشارقة.

ومنذ تولّيه مقاليد الحكم في الإمارة عام ،1972 يرعى صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، خريج جامعة إكستر البريطانية، نهضة ثقافية مستمرة في الإمارة بلغت ذروتها في عام ،1998 عندما اختارتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) عاصمة عربية للثقافة.

وكان سموّه قد نال في عام 2001 «جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام» التي تُمنح عادةً للمؤسسات، فضلاً عن العديد من الجوائز الأخرى، الأمر الذي يدلل على المكانة الرفيعة لسموّه في منطقة الخليج العربي وكامل منطقة الشرق الأوسط. كما أسس صاحب السموّ الشيخ سلطان في عام 1997 الجامعة الأميركية بالشارقة، والتي ربما كانت الأبرز بين جامعات العالم العربي بعد الجامعة الأميركية في بيروت؛ إذ تطبق سياسة صارمة للقبول الجامعي تستهدف صفوة خريجي المدارس الثانوية في المنطقة وتقدم منحاً دراسية سخية للمرشحين الأقل يسراً، وهي تستقطب اليوم بين صفوف مدرّسيها النخبة الفكرية في المنطقة والعالم.

وفي الصيف الماضي، افتتحت الإمارة «متحف الشارقة للحضارة الإسلامية»، الذي يعد الأول من نوعه في منطقة الخليج العربي، والذي يضم ما يزيد على 5000 تحفة فنية إسلامية في أروقة سوق تقليدية يعود تأسيسها إلى أكثر من 20 عاماً مضت. وكان افتتاح المتحف قد سبق بأشهر عدة افتتاح متحف الفنون الإسلامية في الدوحة، مع فارق واضح هو أن الأخير تم بحضور نخبة من مشاهير العالم والقادة الأجانب وسط عرض رائع للألعاب النارية. وأما الشارقة، فقد آثرت الحكمة والتواضع.

قد تبين الآن أن المنهجية البطيئة والثابتة التي تبنتها الإمارة كانت الأسلم خلال أزمات الركود، كتلك التي نواجهها اليوم. صحيح أنها استقطبت عدداً أقل من الشركات العالمية، وبالتالي أتاحت فرص عمل أقل، إلا أنها كانت أيضاً الأقل تسريحاً للعمالة. وعلى الرغم من أن الجهات الأكثر توظيفاً في الإمارة هي المؤسسات الحكومية المحلية والاتحادية، إلا أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل العماد الرئيس لاقتصاد الإمارة، بعد مواردها المحدودة من الغاز الطبيعي، باعتبارها تشمل 40٪ من إجمالي القطاعات في البلاد.

وفي حين تبنت الإمارات الأخرى في دولة الاتحاد سياسة أكثر انفتاحاً تجاه التملك الحر في السوق العقارية، فقد فرضت كل من الشارقة والفجيرة على الساحل الشرقي للبلاد قيوداً على هذه السوق جنبتها الكثير من تداعيات أزمة الائتمان العالمية. كما استقطبت الشارقة على نحو لافت 1.5 مليون سائح في عام ،2008 شأنها في ذلك شأن أبوظبي. وعلى الرغم من تواضع هذا الرقم قياساً إلى دبي التي استقبلت سبعة ملايين زائر، إلا أن قسماً أكبر ممن زاروا دبي لكانوا ينجذبون إلى سحر التنوع الثقافي غير المسبوق للمتاحف ودور العبادة في الشارقة، لو كانت تحظى بشبكة مواصلات أفضل. ولسوء الحظ، فإن مشروع المترو المتوقع انتهاؤه في دبي في وقت لاحق من العام الجاري قد توقّف عند الحدود مع الشارقة.

وأخيراً، فإن المساهمة الكبرى لإمارة الشارقة في دولة الاتحاد تكمن في رأسمالها البشري؛ فمنها جاء أول وزير للتعليم، وأول وزيرة، وأول سفيرة في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، من دون أن ننسى وزير الثقافة الحالي، فضلاً عن شبابها الذين نجحوا في تبوؤ مناصب رفيعة في بقية الإمارات.

وحدها الأيام كفيلة بتقييم النموّ الحريص والثابت للشارقة إن كان فرصة ضائعة أم صيغة ناجحة. ولعل الثروة الأبرز التي تمتلكها الإمارة ليست في انخفاض مستوى أسعارها المعيشية والصناعية، أو مجموعتها المهمة من المؤسسات الثقافية والتعليمية، أو حتى رصيدها الكبير من المواهب المحلية؛ بل تكمن حقيقةً في شخص واحد رسمت رؤيته العميقة معالم الواحة الثقافية للخليج العربي.

❊ زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية

تويتر