التوطين في «الإمارة» أم «الدولة»؟
شهدت السنوات القليلة الماضية نقاشاً واسعاً حول سياسة التوطين التي ترمي إلى توظيف المواطنين الإماراتيين في مؤسسات القطاعين العام والخاص في الدولة، الأمر الذي أثار حفيظة المقيمين والشركات العاملة في الدولة على حد سواء. وعلى الرغم من اتساع دائرته على المستوى العام، فإن هذا النقاش أغفل مسألة جوهرية تمس أحد أبرز جوانب عملية التوطين: هل المقصود بالتوطين حصر الوظائف المتاحة في إمارة ما، بمواطني هذه الإمارة فقط؟
للأسف، هذه هي الحال في بعض إمارات الاتحاد، ولن يضير هذا القول سوى المسؤولين الذين يمارسون مثل هذه السياسة. فحصر المسيرة المهنية للموظف الإماراتي في جزء واحد فقط من الإمارات السبع المكونة لدولة الاتحاد، هو مسألة تدعو للقلق على أقل تقدير، إذ تحرم هذه الممارسة دولة الاتحاد من الاستفادة بالشكل الأمثل من المواهب المحلية المتاحة، وتحول دون منح مواطنيها فرصاً متكافئة على أساس الجدارة والمساواة بين الجميع.
وبصريح العبارة، تعمد بعض الإمارات الشمالية إلى حصر المناصب العليا للدوائر الحكومية المحلية، والشركات التي تعود ملكيتها جزئياً أو كلياً لهذه الحكومات، في مواطني إمارتها فقط. وعندما تحتاج الحكومة المحلية في إحدى الإمارات الشمالية إلى كفاءة مهنية إماراتية لشغل منصب عالٍ، فعادةً ما يتم اختيار الشخص المطلوب من أبناء الإمارة ذاتها من دون الاستعانة بمواطني الإمارات الأخرى!
وفي المقابل، تطالعنا أمثلة مغايرة عن مواطنين من الإمارات الشمالية نالوا دعماً وظيفياً كاملاً لدى الإمارات الجنوبية في أبوظبي ودبي. ولاشك أن تقلد أشقاء لنا من الإمارات الشمالية، مناصب رفيعة في المؤسسات الحكومية، وشبه الحكومية، والخاصة، في دبي وأبوظبي، يعد مصدر فخر لنا جميعاً؛ لكن، وللأسف الشديد، يبدو أن هذه المعادلة تسير باتجاه واحد في معظم الأحيان، إذ قلما نرى مواطني إحدى هاتين الإمارتين يشغلون مناصب مهمة في الإمارات الشمالية.
وعليه، نجد أن أبوظبي ودبي، وحدهما من بين الإمارات السبع التي تشكل القوة الاقتصادية للاتحاد، إذ نجحتا في كسر الحواجز النفسية التي تحول دون شغل مواطني بقية الإمارات مناصب رفيعة فيها، ولا شك أنهما الأكثر استفادة من انضمام مواطني الإمارات الشمالية إلى مراتبهما الوظيفية، وفق نظام يعتمد على الكفاءة المهنية.
وبإلقاء نظرة متمعنة على المراكز الوظيفية البارزة في الإمارات الشمالية ومدن الساحل الشرقي، سنجد أسماءً مألوفة جداً ومحلية في مطلق الأحوال. وهذا يعد تمييزاً غير معلن تمارسه حكومات بعض الإمارات الشمالية تجاه مواطني الإمارات الأخرى، وهو ما يتنافى مع الرؤية التي انتهجها المغفور له بإذن الله الشيخ زايد عندما أرسى دعائم الدولة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل رسوخ مؤسساتها الاتحادية.
قد يتساءل المرء في سره عن أسباب هذا التمييز. لعل ذلك يعود في المرتبة الأولى إلى قلة المناصب الوظيفية المهمة في الإمارات الشمالية، نظراً لتواضع امكاناتها الاقتصادية إزاء بقية الإمارات الأخرى. أما السبب الثاني، فيتمثل في كون المسؤولين المحليين يرون في ذلك وسيلة لكسب التأييد الشعبي المحلي، عبر توزيع الوظائف ضمن محيط دوائرهم المحلية. ويكمن السبب الثالث في الرؤية قصيرة المدى لخطوة كهذه تعد خرقاً واضحاً لدستور دولة الإمارات العربية المتحدة. وهنا يطرح السؤال نفسه: ألسنا حقاً بحاجة إلى إجراء فعال يمنع الضرر المترتب على مثل هذه السياسة؟ يمكن للحكومة الاتحادية في العاصمة أن تبحث الموضوع مع المسؤولين المحليين في الإمارات الشمالية، مع التنويه إلى أن التوزيع المستقبلي للميزانية الاتحادية سيتم تقييمه على ضوء التقدم الذي يتم إحرازه في هذا المجال. إذ لا يعقل بعد 40 عاماً على تأسيس الدولة، أن تبقى الوظائف في بعض الإمارات حكراً على مواطنيها من دون سواهم من مواطني الإمارات الأخرى!
ولا يقتصر الأمر على حصر الإمارات الشمالية للوظائف في مواطنيها فحسب، بل يتعداه إلى شغل عدد من غير المواطنين مناصب عليا كمستشارين، ورؤساء شركات، ومديري مؤسسات، لا يجمع بينهم سوى أنهم ليسوا من بقية الإمارات. وهذا يذكرني بمثل خليجي من البحرين يقول «عين عذاري تسقي البعيد وتخلي القريب».
لذلك أقترح: أولاً، أن تبادر الإمارات الشمالية إلى إنكار «الإدعاءات العارية عن الصحة» لكاتب هذا المقال والاستشهاد بمثال أو اثنين عن التوظيف العادل لسائر المواطنين الإماراتيين من دون تمييز. ثانياً، يتوجب على مسؤولي الإمارات الشمالية الترفع عن النظام القبلي المعتمد في التوظيف، وتبني نظام عادل يقوم على الكفاءة وحدها. عندها فقط تتحقق رؤية الراحل الكبير الشيخ زايد، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، في إقامة دولة اتحادية حقيقية.
❊ زميل غير مقيم في كلية دبي للإدارة الحكومية