سجناء دانتي

زياد العناني

في البلدان الحية من العالم يعيش المرء وهو يعرف من أين تبدأ حقوقه، وأين تنتهي؟

ثمة واقع نعيشه ونقبل به وهو إلى ذلك من نواتج ضعفاء قدر لهم الاستقواء في مواقع وميادين لا حصر لها، تجعلنا نقول إن الرجل القوي في بيانه النفسي لا يشكل خطراً على العاملين معه مثل الضعيف الذي يتلطى بقوة ليست له، بل هي مستمدة من ظرف يتكئ على الأصدقاء «المهمين».

عبر التاريخ وفي ظلاله ايضاً كان الرجال الضعفاء يشكلون مبنى ومعنى السلطة الفاسدة.

وكانت مقتنياتهم كلها مبنية على الكذب والهمز واللمز وكتابة التقارير الكيدية، إضافة الى التطلع الى ارهاب من حولهم وتطوير هذا الإرهاب الى الاقصاء الفعلي والقتل المعنوي.

لا أقصد هنا السلطة السياسية، بل سلطة ادارية تترع بأدوات الخصومة والتعبير عن الكراهية، ويمكن لها أن تتمثل في شخص ضعيف يحاول أن يتقوى بالمضرة والأذى.

شخص ضعيف يعبر عن نفسه بنية ترتجي الملق ولا تحب الحوار أو المساجلة، بل إنه يتجلى كثيراً في سماع أي تسريد يمتدح أفعاله على الرغم من خستها.

أعرف رجلاً اجتباه رجل آخر مثله أو أقل قليلاً، ليكون رئيساً لمؤسسة إعلامية «يخلو» من الشجاعة ويفيد لفظ «يخلو» هنا الى أن كل من يتواشج معه سيكون عرضة لجبنه وأمراضه المسبوقة بنفي أو بنهي أو بكيد مبعثه حماية شخصية قلقة لا تطمئن إلى شيء.

أعرف رجلاً مثل هذا الرجل يمكن أن يأخذ علامة «الماثول»، أو الشيء الذي يحل محل شيء آخر بحسب المصطلح اللساني، والأنكى أنه يتحدث باسم المبدعين وباستفاضة لا مثيل لها على اعتبار انه منهم، على الرغم من أنه صاحب اصدار قليل لا يجد له أي مكان في بريد القراء، ولا يصح أن يخرج من بين المبدعين لكي يقول: «هذا كتابي»، بعد أن حاول وكتب من دون أن يكتب لأن المتاح هو أن يقرأ ويقرأ إلى الأبد!

وأمام هذا المناخ المزيف يصبح الأمر عقدة تأخذ أبعادها في المصادرة التعسفية، ويصبح الرجل الضعيف مجرد قاطع طريق أو حائط صدّ، ويصبح الصدام معه ليس مجرد صدام جسم بجسم في ممر، أو على باب مصعد بقدر ما هو خلاف معرفي يطال كل مقروء وملموس ينتمي الى الحياة، ويطال حال هذا الشخص الذي يذكرنا بسجناء دانتي في الكوميديا الإلهية: تعساء لم يولدوا ولم يموتوا ولا يستحقون لوماً ولا تمجيداً.

 

zeyad_alanani@yahoo.com

تويتر