من الكتابة إلى الإخراج

قيس الزبيدي

نظر العالم إلى جماعة «دفاتر السينما» بمن فيهم تروفو، وشابرول، وفالكروزيه، وغودار، وبريفيت، ورومر، على أنهم نواة الموجة الجديدة، مع أنهم لم يدرسوا السينما، لكنهم شاهدوا أفلام اورسون ويلز، وهتشكوك، ووايلدر، وستانلي دونين، وكتبوا عنها. وحينما انشغلوا من خلال وسيط السينما بالتعبير عن الواقع بشتى مجالاته الاجتماعية والسياسية، راحوا يحاكون، بشكل مبتكر، أولئك المخرجين الذين أحبوهم، والذين كشف الناقد اندريه بازان، الأب الروحي للموجة الجديدة، أساليبهم في بناء المشاهد واستخدام طرق جديدة في المونتاج، تبرز حضور الواقع الممثل، في مضمون صورة/مشهد مستمرة، لا يقوم المونتاج بتحريف دلالاتها الحقيقية.

كتب تروفو «شكلت الأفلام مصدر ثقافتي كلها.. فبوسع المرء أن يتعلم تاريخ وحاضر وماضي السينما في المكتبة الفرنسية السينمائية، التي هي مصدر دائم للثقافة وأنا لست إلا واحداً من أولئك الأشخاص الذين يواظبون على مشاهدة الأفلام القديمة مراراً وتكراراً، سواء أكانت من الأفلام الصامتة أم الأفلام الأولى من السينما الناطقة».

(فرانسوا تروفو. الفن السابع92- دمشق ترجمة علاّم خضر).

وكتب غودار «أن تذهب بانتظام إلى السينما وإلى النوادي السينمائية وإلى المكتبة السينمائية، يعني أن تفكر سينمائيا... أن تكتب عن السينما يعني أن تصنع أفلاما».

تجلى تيار الموجة الجديدة السينمائي في ثلاثة أشكال:

.1 اعتراف مؤلف الفيلم، وهو يروي سيرته الشخصية الخاصة، ويسرد بضمير المتكلم. .2 لا يتحدث مؤلف الفيلم، إلا عن أشياء يعرفها، والتي تعبر عن أفكاره الشخصية. .3 لا يتحدث مبدع الفيلم بعيدا عن نفسه، ولا يترك شخصياته تتحدث سوى عن آرائه وأفكاره مهما تغيرت طبيعة ومصادر أفلامه.

وقف مخرجو الموجة الجديدة، ضد الوجوه التقليدية في السينما الفرنسية،وراحوا يبحثون عن ممثلين شباب جدد، يمكنهم تقديم لون جديد في التمثيل، متأثرين في ذلك بأسلوب الواقعية الجديدة، التي ظهرت في ايطاليا في أعمال زافاتيني ودي سيكا، ومتأثرين كذلك بأسلوب «استوديو الممثل»، الذي أسسه إيليا كازان وصنع نجومه جيمس دين ومارلون براندو.

وتجلت تجربة الموجة الجديدة في:

.1 اختيار ممثلين غير محترفين. .2 اختيار ممثلين هواة. .3 اختيار شخصيات من المغنين والأدباء والكتاب، ليؤدوا أدواراً رئيسة أو ثانوية، وكان اغلبهم من معارف المخرجين. .4 اختيار ممثلين غير معروفين يتم اختيارهم في أفلام عدة، كما فعل تروفو مع جان بيير ليو، وغودار مع آنا كارينا مثلا.

(تروفو والموجة الجديدة. الفن السابع7- دمشق ترجمة إسماعيل جمول).

تعاملت الموجة الجديدة بمبادئ عمل مع الممثل بطرق مختلفة. تروفو، تعامل بصرامة شديدة في توجيه ممثليه، بينما غودار ورينيه كانا يتيحان للمثل حرية الأداء وارتجال الحوار.

ابتكرت الموجة الجديدة تشكيلية صورة، عبر عمل المصور هنري ديكاي مع المخرجين لوي مال وشابرول، تستنبط جماليتها من حكاية الفيلم وتصور مخرجه. بينما ابتكر المصور راوول كوتار، الذي بدأ عمله مع غودار، جملية صورة بأسلوب تسجيلي: تحرير الكاميرا واعتماد إضاءة طبيعية ورصد استمرارية الحدث الدرامي في بيئته الطبيعية وقد أطلق بازوليني على أسلوبه «سينما شاعرية».

 

alzubaidi@surfeu.de

تويتر