عن الهوية الوطنية

حمدان الشاعر

انقضى عام الهوية الوطنية دون أن نعرف مفهوم الهوية الوطنية أو نحدد أطر التعامل معها، هي بالضرورة ليست علَماً أو زيّـاً أو حتى لهجة محلية صرفة، وليست كذلك برنامجاً تدريبياً أو ترفيهياً أو ثقافياً ينقضي بانقضاء الاحتفال، كما أنها ليست أحجية يتعذر فهمها أو يصعب فكّ رموزها.

من الأهمية بمكان أن تكون الهوية تجسيداً للحياة مهما تعددت تعريفاتها وأشكالها، هي شخصية المكان وإنسانه، ولذلك فهي ليست منظومة من المعايير التي ترتبط بقيم إنسانية عامة كالعمل والإخلاص والتفاني، فكل العالم يشترك في تقدير العمل والإخلاص والصدق والفضيلة، وحصر الهوية ضمن هذا الإطار يعني ابتعادنا عن معنى الهوية الحقيقي ومعناها العاكس لثقافة المكان وشعبه، فالهوية لدينا هي لسان وعقيدة وجملة من العادات والتقاليد، فاللغة العربية لسان الماضي والمستقبل، وهي إرثنا الحضاري الذي يعكس انتماءنا للغة القرآن، وهي أيضاً عقيدة مرتبطة بالإسلام وقيمه الإنسانيـة المنظمة لحياتنـا اليومية، وهي كذلك عادات وأعراف اجتماعيـة تضع ثوابتنا الأخلاقية في مسارات لابد من احترامها واعتبارها جزءاً من شخصية المواطن الإماراتي.

إذا كان بعض الإخوة المسؤولين عن الهوية الوطنية يريدون اختراع مصفوفة تتضمن معايير وأوزان ومؤشرات للهوية الوطنية، فهذا هدر وإيغال في تفاصيل بعيدة كل البعد عن حقيقة الهوية، فمن غير المنطق أن يتم تزجية كل هذا الوقت للبحث عن تعريف للهوية التي تكاد تضيع بسبب هذه المعايير غير المنطقية التي لا تتناسب أبداً مع فكر الهوية، فالإنسان الصيني له هويته التي انبثقـت من لغة وطعام وشكل معماري وفكر فلسفي، تطورت بتطور الثقافة الصينيـة التي امتدت عبر التاريخ، وهي بذلك لا يضيرها تصرفات غير مسؤولة لأي من مواطنيها.

إذا كان الحديث عن الهوية مُلِحّ ومهم في وقتنا الحاضر فهذا لأن هناك العديد من التدخلات التي أسهمت في التأثير في شكل الهوية العام وصلابة قناعتنا بها، وأزعم أن الهوية الوطنية قائمة ولها حضورها في المجتمع، لكن تبقى المعضلة فينا نحن وفي مدى قناعتنا بأنفسنا، ورغبتنا في جعل الهوية جديرة بالاحترام والتقدير لأبعد مدى، فالهوية تحتاج إلى انعكاس حقيقي في دواخلنا، وتحتاج إلى غرس يبدأ بالتعليم ويتأصل بالإعلام ويُرى في مشهدنا اليومي.. فحتى شوارعنا ومبانينا وأسماؤها كلها تحتاج إلى أن تقول من نحن؟ وما هويتنا؟

 

hkshaer@dm.gov.ae

تويتر