أعطني ثواب صلاتك لو سمحت!

ادعى أحد الحاقدين على الإمام الحسن البصري أنه اغتاب الخليفة فقال البصري للخليفة: «ما كنت لأضيع فيك حسناتي، وأنا أعلم أن الكلمة بسوء في حق الغائب يأخذ مقابلها مني ثواب 70 صلاة مقبولة، فلو كنت لابد مغتاباً لأحدٍ لاغتبت أمي فهي أولى الناس بي». آه لو فهم الناس هذه الفلسفة الرائعة لتركوا فضول الكلام وادعاء العلم ببواطن الأمور والتدخل في ما لا يعنيهم، وما ارتضى أحد بعفة اللسان بديلاً، ولصان نفسه من أن يذم الآخرين فيستدعيهم لفضح زلاته وكشف عوراته!

لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ فكلك عورات وللناس ألسن

ومن عجب أنك ترى من الناس من يتعبد ويضيع عبادته، بل ويديم صيام التطوع وينسى أن قبوله مرهون بعفة اللسان لقوله، صلى الله عليه وسلم: «من لَم يَدَع قولَ الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه»، رواه البخاري. والأعجب أن هذا الذي لا يسلم الناس من لسانه يثور ويهيج إذا ذكره أحدٌ بسوء! ويصيح: اتقوا الله ولا تفتروا على الناس! هلا اتقيت أنت الله في خلقه قبل أن تطالبهم بالتقوى يا صاحبي؟ أم أنك تبيح لنفسك ما تبرر به تشويه سمعة غيرك؟ إذاً فافعل ما شئت «كما تدين تدان». لكن لا تنس أن أهل الفضل حصروا المبررات في أضيق نطاق فقالوا:

الذم ليس بغَيّـبةٍ في سـتةٍ       مُتَظَـلمٍ ومُعَـرِفٍ ومُحَـذرِ

ولمُظهِرٍ فسقاً ومُستَفتٍ ومَن     طَلَبَ الإعانةَ في إِزالة مُنـكَرِ

فإن كنت متظلماً: لا يحل لك الكلام عن خصمك إلا بين يدي القاضي أو الجهة التي تملك الفصل بينكما، فربما كنت موهوماً لا حق لك في ما تخيلت، وتظل تحمل بالغيبة أوزاراً. وإن كنت تُعَرفُ شخصاً بصفة فيه كالأعرج أو القصير فلا تُعرفه أبداً بما يكره، ولمّا قالت أم المؤمنين عائشة لرسول - الله صلى الله عليه وسلم - مداعبةً: حسبك من حَفصَةَ (أم المؤمنين) قِصَرُها! غضب، فقالت: هل اغتبتها يا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: وإن كان فيها؟ قال: إن كان فيها فهي الغيبة، وإن لم يكن فهو البهتان، أي أفظع فهو اتهام بالباطل. وإن كنت مُحَذراً غيرك من فاسق ففي حدود الشخص الذي تحذره، وأن يكون لوجه الله ولا تقع في سبّ ولا قذف وإلا عليك بالبينة.

وإن كنت تستفتي أهل العلم ومضطراً لتوضيح خطأ زوجتك مثلاً أو جارك أو رئيسك، فبقدر ما تحتاج القضية فقط، دون تجريح ولا تشويه، وأهل الفضل يعممون كأن تقول: لي صديق يشكو من أن امرأته تفعل كذا، والزوجة العفيفة لا تذكر زوجها بسوء وإنما تعمم. وقبل كل ذلك لا ينطق الإنسان أبداً إلا بما رأت عينه أو سمعت أذنه {ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كـان عنـه مسؤولاً} «الإسراء ٣٦»، ويكفي أن يشدد الشرع على من رأى بعينيه جريمة الزنا ألا ينطق بل ويستر، حتى لو رأى الجريمة شخصان أو ثلاثة يحرم عليهم أن يتكلموا! ولو تكلموا يُجْلَد كل واحد منهم بحد القذف ٨٠ جلدة، فإذا اكتمل أربعة رأوا يقيناً هنا أذن الشرع بالشهادة وأمام القاضي فقط؛ لأن الأمر حينئذ يحتاج إلى تنفيذ الحد ردعاً للمنحرفين، والهدف من الستر ألا تشيع الفاحشة. فما رأيك يا الحبيب لو أرحنا أنفسنا وعملنا بوصية الحبيب، صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عليك لسانَك وليَسَعكَ بيتُكَ وابكِ على خطيئَتِك».

المستشار التربوي لبرنامج "وطني"
mustafa@watani.ae

تويتر