أبيض وأسود

تحتاج التحولات والأحداث الجوهرية التي تصنعها الأمم والشعوب فترة من الزمن حتى تنعكس آثارها على جوانب الحياة الفكرية والثقافية المتعددة، وخلال الربع الأخير من هذا العام شهد العالم حدثين كبيرين سيكون لهما تأثير مباشر في الاقتصاد والفكر، وفي الأدب والسينما أيضاً.

أما الحدث الأول فهو الأزمة المالية التي اجتاحت العالم ودفعت المفكّرين وخبراء الاقتصاد إلى التململ وإبداء الشك في القواعد المنفلتة التي يرتكز عليها النظام الرأسمالي القائم.

أما الحدث الثاني فهو انتخاب أول رئيس أميركي أسود، ولا أحد يعرف ما إذا كان فوز أوباما يعني أن الأميركيين قد تهذبوا وتخلوا إلى الأبد عن موروث التمييز العنصري ضد المهاجرين السود، لكن الأكيد أن ما حدث يمثل مرحلة جديدة في التاريخ الأميركي والغربي المعاصر.

الغريب أن الديمقراطية في أوروبا وأميركا ظلت تحتفظ لنفسها بصورة مثالية في ذاكرة الشعوب النامية، رغم أنها على ما يبدو كانت، ولاتزال، ديمقراطية مفصلة على مقاس ذوي البشرة البيضاء، وهذا هو الانطباع الذي يستشفه المتابع للضجيج الإعلامي عقب ظهور نتيجة الانتخابات الأميركية الأخيرة، ومن المؤكد أن هذا الضجيج سيستمر على طريقة الأعمى الذي عثر بالصدفة على خرزة وراح يصم آذان المبصرين بحديثه عن اكتشافه النادر لخرزته اليتيمة، وحتماً سينتقل توظيف هذا الحدث النادر إلى السينما والأدب في المستقبل القريب. 

وما دام الكلام يدور عن السود والبيض والمصالحة المفاجئة التي تمت بين اللونين، فقد سبق الأديب علي المقري كتّاب القصص السينمائية المشوقة في «هوليوود» وأصدر هذا العام روايته الأولى «طعم أسود.. رائحة سوداء»، ويتمحور موضوعها حول شريحة المهمشين ذوي البشرة السوداء، أو ما يعرف في اليمن بالأخدام.

وتكشف رواية المقري التي رشحت لجائزة «البوكر» العربية عن خفايا وأسرار تتعلق باضطهاد هذه الشريحة، ومن خلال تتبع الحوارات التي تجريها الصحف مع مؤلف الرواية، ويبدو أن العمل السردي الذي أنجزه الكاتب بحرفية عالية قابل لأن يتجاوز دلالته الأدبية في وعي القارئ ليصير وثيقة اجتماعية وحقوقية قد تؤدي إلى فتح ملف المهمشين خارج ملفات الأدب، وإدراجها في ملفات الواقع الإنساني واستحقاقاته.

 صحيح أن العمل الأدبي الحديث لم يعد معنياً بالتحريض المباشر، وصحيح أن القراءة النقدية لا تهتم بما يدور خارج النص المكتوب، لكن القراءة الأولية لهذا العمل تجعلك تكف عن الاستمتاع المجاني بالنص ولا تملك إلا أن تتنازل عن حياد الناقد لتتحد بعذابات شخوص الرواية.

وختاماً أرى أن قراءة هذا العمل ربما تعين من يريد التأمل في أسباب ابتهاج البسطاء في البلاد العربية بفوز أوباما.   مرافئ

slamy77@gmail.com 

الأكثر مشاركة