نقطة حبر

معارض الكتب واحات الإبداع

كيف نعوّد النشء منذ الصغر على القراءة؟ لقد اختلف كثير من علماء الاجتماع والنفس والفلسفة وغيرهم بشأن القراءة، وهل هي علم يمكن أن يتعلمه الإنسان منذ الصغر، أم هي موهبة، أم مهارة؟ ولكنّ عدداً غير قليل من التربويين أكدوا، من خلال معايشتهم اليومية للطلبة، أن القراءة يمكن أن تكون في أحسن الأحوال هواية، تتحول إلى موهبة تُصقل بمعايير وأدوات تجعل منها علماً له أسس في القياس والتقويم وتحديد المؤشرات الخاصة بنتائجه.

وفي هذا الصدد استند التربويون إلى الحكمة المعروفة، التي تقول «التعليم في الصغر كالنقش على الحجر»، وبالتالي فإن قيمة القراءة ورسوخ جذورها تبدأ منذ الصغر، ومن وجهة نظري فإن الخطوة الأولى في جذب النشء نحو فضيلة القراءة تتمثل في رحلة سهلة وسلسة وغير معقدة، وهي رحلة إلى معرض الكتاب.

في معرض الكتاب كثير من القيم التي يمكن أن يستقيها النشء، فأول ما يتبادر إلى ذهن الطفل في تلك التظاهرة الثقافية هي حالة المهابة التي يكون عليها معرض الكتاب، إعداداً ومشاركة، وعلى الوالدين والأسرة تحديداً أن تضع أقدام النشء بقوة منذ الصغر على أولى درجات سلم حب القراءة، من خلال زيارة معرض الكتاب، والحمد لله فإن دولتنا أصبحت مركزاً رائداً لمثل هذا النشاط، ولدينا معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ومعرض الشارقة الدولي للكتاب، وغيرهما من المعارض المحلية للكتب، على امتداد مختلف إمارات الدولة، وكل هذه الفعاليات المرتبطة بالكتاب تأخذنا في أهدافها طويلة الأمد نحو إعداد جيل يؤمن بأن القراءة هي غذاء الروح والعقل.

إن سعادتي كتربوية كبيرة وأنا أرى إحدى الأمهات وهي تصطحب أبناءها وبناتها، وتمسك بأيديهم في أروقة معرض أبوظبي الدولي للكتاب، ويكلل الجميع بهجة المكان، وفرحة مشاركة المبدعين من الكتاب والأدباء والمؤلفين، على اختلاف مشاربهم، عصارة فكرهم، من خلال الكتاب والمؤلفات المعروضة في الأجنحة المختلفة. إن فرحة الصغار وهم يحملون بين أيديهم كتاباً للمرة الأولى لا تعادلها فرحة أخرى، ومن هنا فإن رحلة الأسرة إلى معرض الكتاب هي بوابة الانطلاق نحو تأسيس قاعدة وطنية للإبداع، من خلال القراءة، والتأليف، والكتابة، والترجمة، وغيرها من المناشط التي يحفل بها معرض الكتاب، سواء في أبوظبي أو الشارقة أو غيرهما من المعارض الممتدة في ربوع الوطن.

إن التحدي الأكبر في هذه الرحلة بالنسبة للأسرة، بل وللمدرسة، هو ذلك الخيط الرفيع الذي يجب الحفاظ عليه في أن تكون الرحلة مفعمة بالترفيه مع الكتاب، وهو ترفيه من نوع جديد لم يتعود عليه الطالب في مدرسته أو بيته، وإنما في معرض الكتاب يجد بيئة مختلفة لهذا الترفيه الثقافي، ودلالاته المعرفية الواسعة، فمعارض الكتب هي ذلك الرحيق الذي يجب أن نعلِّم أبناءنا وبناتنا كيفية الحفاظ عليه، كوريد يجدد دماء الفكر الواعي في أفئدتهم وعقولهم كافة.

أمين عام جائزة خليفة التربوية

تويتر