عذابات حواء

أحمد السلامي

   
شهدت العقود الماضية توالد العديد من الجمعيات والمراكز المعنية بقضايا وحقوق المرأة في المنطقة العربية، لكن النخب التي تدير تلك الكيانات بمسمياتها المختلفة، انشغلت بتنظيم مؤتمرات خطابية وندوات تُناقش فيها موضوعات مكررة، تلبي شروط المؤسسات الدولية المانحة، وتسعى لإرضائها للحصول على التمويل، بما في ذلك من ارتهان لأولويات الآخر على حساب أولويات الواقع المحلي.


وتتولى ثلة من الناشطات العربيات هذه المهمة التي تحولت على ما يبدو إلى وظيفة سهلة، لا تتطلب منهن سوى الحديث داخل القاعات المغلقة عن العصا السحرية «للكوتا» من أجل زيادة عدد النساء في البرلمان.

 

هكذا أصبحت قضية المشاركة السياسية محور اهتمام النخب النسائية، حتى في بلداننا الأشد فقراً والتي لا تزال تعاني ارتفاع نسبة الأمية في أوساط النساء، وهكذا يجري القفز على الواقع وتجاهل أولوياته، وكأن العقبات التي تواجه المرأة العربية قد أزيحت كلها ولم يعد أمامها سوى عقبة الوصول للمقعد النيابي.

 

ولا شك في أن معاناة المرأة العربية تتفاوت من بلد لآخر، سواء من حيث التشريعات والقوانين الداعمة لحقوقها، أو من حيث نظرة المجتمع وموقفه تجاه مشاركتها في الحياة العملية التي تدور خارج أسوار المنزل، ومن دلائل هذا التفاوت في مستواه الإيجابي، أن المرأة التونسية قد نالت الكثير من الحقوق، إلى الحد الذي جعل بعض الرجال يطالبون- على سبيل السخرية - بمساواتهم بالمرأة، ويقال إن الذكور في الدول المتقدمة أصبحوا يحقدون على حواء لاعتقادهم انها احتلت مقاعدهم في الوظائف العامة، ويرون أنها لو ظلت ترعى أطفالها في المنزل لما وجدوا أنفسهم خارج دائرة العمل.


وإذا ما استثنينا الحالة التونسية المتقدمة، سنجد ان المرأة في بلدان أخرى لاتزال تعاني التهميش والإقصاء بنسبٍ ترتبط بطبيعة التركيبة الاجتماعية والاقتصادية لكل بلد. وبصورة عامة، تواجه الأنثى العربية ازدواجية في نظرة المجتمع نحوها، فجميع الرجال يحاولون كسب ودها، ويسعون للظهور أمامها بشكل يوحي بانفتاحهم، سواء في الشارع أو الجامعة أو مرافق العمل، لكنهم حين يعودون إلى بيوتهم يتعاملون مع زوجاتهم وبناتهم بنمط مختلف، وهو نمط يقوم على التبرير لاضطهاد الأنثى وإسكات صوتها لمجرد الحفاظ على المعنى المتوارث للفارق بين الجنسين. ويستمر تغييب قضايا السواد الأعظم من النساء اللواتي يُحرمن من التعليم ويواجهن مشكلة الفقر ويتعرضن للعنف بمختلف أشكاله، ومع ذلك، لاتزال ظروف حياتهن الصعبة بعيدة عن مجال اهتمام الجمعيات النسائية التي تتمركز مقراتها وأنشطتها في المدن والعواصم، ولا تلتفت للمناطق الريفية الشاسعة، حيث تعيش النساء الكادحات اللواتي ينجبن أطفالهن في الحقول وهن يزرعن ويحصدن، أو في الشعاب وهن يحتطبن ويجلبن الماء فوق رؤوسهن ويعبرن الدروب الوعرة وهن يحملن أثقال البؤس الذي لم ينته.  

 

slamy77@gmail.com  

تويتر