المخاوف

د. أحمد الإمام

 

تساءلت مع مستمعي برنامجي الاذاعي عن أسباب سيطرة العديد من المخاوف على عقول الكثيرين، بل يصل الأمر لدرجة تدني المستوى المعيشي والمعاناة النفسية والأسرية وكذلك المهنية.

 

تطرقنا إلى أشكال مختلفة وأحياناً غريبة؛ الخوف من الوالدين، الخوف من الظلام، الخوف من العناكب والحشرات، الخوف من الأماكن المرتفعة، الخوف من التقويم أو الامتحان، وصولاً إلى الخوف من الخطأ والخوف من المستقبل والموت والحياة؛ وذلك على مدى ثلاث حلقات متتالية.

 

ذكّرنا أن الرضيع لا يعرف الخوف البتة، وكل ردود فعله الفيزيولوجية تكون لدفع الأذى وتفادي الخطر دون أدنى معنى للاضطراب النفسي؛ فحينما يكون موجوعاً لسبب عضوي يبكي من الألم وليس لديه أي تفسير ذهني لضرره، لذلك ينبغي الانتباه إلى أن كل شخص قادر على التفاعل مع كل المخاطر بسلوكيات تحميه دون الشعور بالخوف؛ إلا أن البيئة ترسخ المفاهيم السلبية وتطبع الموقف بأحاسيس رهابية يتشربها الطفل لاشعورياً. فمثلاً عندما يسقط الطفل ويبكي من الألم يمكنه أن يقوم ويعاود الكرّة حتى يحصل على الهدف من تجربته، بينما قد يأخذ الأمر منحى آخر إذا فزعت أمه إليه مضطربة الحركة، خائفة عليه من الأذى صارخة ومهوّلة ما حدث.

 

سيتأثر الطفل بإيحاءات والدته السلبية، فيكتسب الخوف من صوتها وملامح وجهها وكل حركاتها التي تعطي صورة ملموسة ومجسمة للخوف.

 

أما استعمال التخويف وسيلة لتربية الأطفال لتحفيزهم وتوجيههم للطاعة وتنفيذ الأوامر، فهو النهج الذي يكسر شخصية الطفل ويجعل منه في أغلب الحالات شخصاً خاضعاً، منسحباً وخائفاً من أبسط مكونات الحياة العامة؛ ثم يعيش حسرة الغيظ والنقمة لعدم قدرته على التخلص من قيود الماضي المكتسبة، والشعور بفقدان الثقة بالنفس والعجز عن الإقدام على تحقيق الذات.

 

اشتكى البعض من استبداد الأستاذ بعلمه واستغلال سلطته لتخويف الطالب وإخضاعه بحجة تنبيهه إلى خطورة الخطأ، ومثال ذلك الطبيبة الجراحة التي سيطر عليها الخوف لدرجة أنها توقفت عن دخول غرفة العمليات بسبب الضغط الترهيبي الذي بالغ فيه الأستاذ، بينما كان حرياً به المساندة والدعم لتعليم طلبته مختلف المهارات الضرورية لإنجاح هذه المهام الدقيقة، وليس لإكسابهم رهاب ممارسة المهنة.

 

أثير موضوع الخوف من الحسد الذي يدفع الناس إلى إخفاء كل الجوانب الإيجابية في تجاربهم الشخصية، وبالتالي يصبح المجتمع لا يعيش إلا على السلبيات الواقعية أو تلك المصطنعة مخافة الحسد؛ وهي دوامة سلبية تجرف الحياة العامة إلى أدنى المستويات في مختلف المجالات بسبب التستر على النعم التي من المفروض أن نفشيها ونتحدث عنها لتكون القاعدة الشاملة مثالاً يقتدى به، وتجارب ارتقائية تساعد المتلقي على استلهام سبل مستجدّة للتنمية الذاتية.

 

أثرنا كذلك دور الإعلام السلبي بالترويج لمخاوف منافية للمنطق والعقيدة، مثل التخويف من الشياطين والجن والعفاريت؛ بينما الصحيح أن المؤمن لا يخشى الشياطين من الجن والإنس، وكما هم يناصبونه العداء فهو الأقوى والأعز بتكريم رب العالمين له؛ علماً أن قلب الحقائق وتصوير العفاريت وكأن لها سيطرة على بني آدم الذي سجدت له الملائكة الكرام مغالطة صارخة.

 

كلما سيطر الخوف على العقول، ضاع الإنسان في غياهب الأوهام وتاه في ظلمات الضلالات العقلية والنفسية.

 

تويتر