السينما فن تركيبي

قيس الزبيدي


لعل المشكلة التي تواجه صناعة الفيلم وانجازه، مازالت تواجه فنانيه المبدعين: فكل من ساهم في صنع تاريخ السينما من لوميير إلى ميليه إلى غرفث ومن بعدهم بودوفكين وإيزنشتين وصولا إلى وقتنا الحالي، كان يجد السير في طريق صعب، ليكتشف خصوصية ما يصنع من أفلام. 


ومع ان الفيلم، هو الفن الوحيد الذي  نشأ في عصر الرأسمالية، إلا انه «استطاع أن يولد تحت أعيننا بهذه السرعة العجيبة»،حسب المؤرخ سادول، «لأنه لم ينشأ على أرض عذراء خالية من حضارة وثقافة العصور القديمة، فقد استوعب وهضم العناصر المختلفة المأخوذة من كل فروع المعرفة الإنسانية وتجاربها». 


والصحيح أن عملية استيعاب الفيلم وتمثله لعناصر فنية من فنون أخرى كانت، ولاتزال، المسألة الحاسمة في تطور السينما كفن مستقل، لأن الفرضية، التي طرحت منذ البداية بأن الفيلم هو  مجرد مزيج من فنون سبقته، وبالتالي فإن مادته الفنية وطرقه في التكوين ليست سوى «اجتماع» تلك الفنون معاً. 


غير أن طبيعة الفيلم ليست هي اجتماع فنون إنما طبيعة تركيبية من فنون تم هضمها عبر عملية تاريخية، معقدة، انصرف خلالها الفيلم إلى محاكاة تقاليد الفوتوغرافيا والمسرح والأدب واللوحة التشكيلية والديكور، وشكلت مثل هذه المحاكاة تيارات مختلفة في تاريخ السينما، وأخضعت تجارب استعمال «آلة التصوير» كوسيط باستمرار إلى مبادئ وقواعد خاصة باتجاهات فنية مختلفة ومتضاربة: واقعية وانطباعية وتعبيرية وسريالية وحتى تجريدية.


 وقبل أن يأتي عصر الصورة، مرت الصورة بمراحل عديدة قلدت فيها سكونية صورة الفوتوغرافيا، وحاكت فن تمثيل وديكور المسرح وامتزجت بإيقاع وتوقيت الموسيقى، وقلدت تنوّع أشكال العمارة، ورسمت تشكيل نور وظلال لوحة الرسم. لكن تاريخ السينما يبين لنا، أيضا، أن بداية ابتعاد صانع الفيلم،


 فقط، عن سطوة المسرح ومن ثم عن سطوة الأدب وسطوة الفنون الأخرى، استطاع أن يبتكر أشكاله الفيلمية، التي تتحد فيها كل العناصر الفنية، المستعارة من المسرح والأدب والهندسة والرسم والتصوير الضوئي والموسيقى والصوت، وتدخل، متآلفة، في نسيج «أولوية» لغته البصرية:  لكن مثلما تحدد «الموسيقى» في الأوبرا، و«الحوار» في المسرح و«الهندسة» في فن البناء، قانون صياغة الشكل في كل من هذه الفنون، تحدد «الصورة» قانونية الشكل السينمائي، ويشكل بناء الصور، بالتالي، أساس معالم الصياغة الفيلمية. 
 
ورغم أن علاقة السينما ببقية الفنون لاتزال علاقة إشكالية، إلا أن تاريخ السينما قدم لنا نماذج من أعمال كثيرة، أظهرت سحر الواقع البصري والصوتي وحافظت على غنى أحداثه التزامنية، لتكون ملحمية بأسلوب كشف مضمونها، ودرامية في معالج موضوعها، وغنائية في بناء نظامها السمع - بصري. ومازالت هذه الأعمال الخالدة تؤكد أن طبيعة الفيلم تكمن في عملية تمثله الدائم لعناصر من فنون أخرى، يجعلها تنصهر، في وجود فني آخر، وتفسر لنا هذه الخاصية، كيف استطاع الفيلم أن يقطع هذا الشوط السريع من التطور رغم حداثته.      alzubaidi@surfeu.de

تويتر