المتعلم

  

هل المتعلم هو خريج الجامعة، حامل الشهادة، الذي يعرف لغات عدة، الا اللغة العربية فإنه يتلعثم فيها فتغلبه فيها العامية على الفصحى؟


في المأثور يقال: العلم نور. وفي الزمن المهجور كانوا يشيرون الى الرجل الراقي، العالي الذوق، الحسن التصرف على انه رجل متعلم، وإن كان لا يحمل من الشهادات غير رخصة «الملا بلال»، على رأي شارد بن جمعة. كانت صفة المتعلم مرادفة لصفات الخلق الرفيع والسلوك المتحضر.


فهل أضاء التعليم في نفوس البعض بذلك النور، فانعكس على تصرفاتهم وسلوكياتهم تجاه محيطهم ومجتمعهم أم أنه وقف عند حدود الحصول على الشهادة والدخول في سوق العمل بأسوأ مواصفات الموظف الإنسان؟


فالذي لا يحترم قوانين المرور وآدابه وهو يركب سيارته الفخمة، ولا يعترف بكل إشارات تنظيم السير، ويمشي في الأرض مرحا، ويعتقد انه خرق الأرض وبلغ الجبال طولاً، هل يمكن ان يكون متعلما، وإن علّق الدكتوراه على جدار مجلس بيته؟

 

والذي يهزأ بدعوات الحفاظ على البيئة، ويصر على أن يتخذ من هذه البيئة سلة مهملات كبيرة، كما يقول بعضهم، ويرمي مخلفاته يميناً وشمالاً، ويطفئ سجائره على رخام المركز التجاري، هل يمكن أن يكون متعلما ولو كان الأول على دفعته؟ والذي يتجاوز أرتال الناس المنتظرين أمام شباك الصراف في البنك، أو «كاونتر» الموظف في الدائرة الخدمية، أو يتحايل على صف السيارات المنتظم عند محطة البنزين ليكون الأول ظلما وعدوانا، هل يمكن ان يكون متعلما، وإن تخرّج في كلية القانون بجامعة هارفارد؟

 

والذي يطلق العنان لمكبرات صوت مذياع سيارته بضجيج موسيقى «الروك» أو هزات «اليولة»، ويحرص على ان تكون نوافذ سيارته مفتوحة ليشاركه مرغماً كل من في الشارع، راكباً أو راجلاً، حفلته الصاخبة، هل يمكن ان يكون متعلما ولو علق شهاداته على صدره مختومة باعتماد وزارة التعليم العالي؟


والذي يزن الناس بأصلهم وفصلهم وقبيلتهم ولونهم، وبحجم جيوبهم ومستوى أرصدتهم، فيرفع هذا ويخسف الارض بذاك، ويشهد لهذا، ويزكي ذاك، ويوزع شهادات التفوق الاجتماعي وانواط التميز الوجاهي وفق معياره المختل للمواصفات والمقاييس، هل يمكن ان يكون متعلما ولو نال كل جوائز التميز بما فيها «نوبل» للهندسة الوراثية؟

 

والذي يطلق العنان لحنجرته في الأماكن العامة بأقبح الكلام، وأبشع الشتائم، وأسوأ الاوصاف، ويصر مستكبراً، هل يمكن ان يكون متعلما ولو وصل إلى درجة الاستاذية.

 

العلم نور، «ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور».   
   

adel.m.alrashed@gmail.com

تويتر