آن الأوان


عندما جادل  الصحافي الأميركي جون بلندر، والاقتصادي المعروف نوريل روبيني، على صفحات «الفايننشال تايمز» اللندية، صيف عام 2006 في إمكانية حدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة على المدى القصير، لم تلق كتاباتهما اهتماما يذكر. ففي ذلك الوقت كانت دورة الفائدة الأميركية قد بلغت الذروة عبر 17 رفعا ، وكان المجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي يدفع باتجاه سياسة نقدية مكنت سوق المساكن من تحقيق طفرة كبيرة آلت في نهاية المطاف إلى حدوث انهيار في أسواق الرهن العقاري في الربع الثالث من العام الماضي.


بطبيعة الحال فإننا ندرك اليوم أن نبوءة الرجلين قد تحققت، وبشكل مثير للغاية. فمنذ سبتمبر الماضي بدأ (الاحتياطي الأميركي) اتخاذ سياسة أكثر تساهلا، عبر خفض مستمر لأسعار الفائدة، لدعم اكبر اقتصادات المعمورة، وصلت منذ ذلك التاريخ إلى خمسة تخفيضات والسادس كان قبل أسبوعين فقط. ولكن كيف يمكن للاقتصاد المحلي أن يتأثر بكل هده المعطيات؟ بداية يجب أن ندرك حقيقة مركزية وهي أن الدولار الأميركي الضعيف أمام اليورو الأوروبي، والين الياباني يخدم مصالح أميركية في الوقت الراهن،  إذ سيكون هذا الوضع جزءاً من عملية التعديل للاختلالات في الحساب الجاري الأميركي.


وبالتالي فإن ما يمكن أن يكون مفيدا لغيرنا ليس بالضرورة يكون مفيداً لنا. صحيح أن ارتباط العملة المحلية بالدولار خلال العقود الماضية خدم، وبشكل كبير، السياسة النقدية للبلد، إلا أن الأوان قد حان لكي نرى الأمور بمنظار مغاير. هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب أن لا ننسى أن الأسواق الناشئة، ومنها المحلية، ستتلقى ضربة موجعة من حدوث ركود في الاقتصاد الأميركي. 


فكثير من الأسواق تعتمد اعتماداً فوق الحد على طلب الولايات المتحدة على صادراتها، كما أنها عرضة للدورات الاقتصادية التي لا ترحم، وذلك بسبب ميلها القوي للتصنيع؛ صحيح أنه لن يسلم أحد من عواقب الكساد الاقتصادي الأميركي، إلا أن الأسواق العملاقة في آسيا وأوروبا يمكن أن تسلم من مخاطر الكساد الأميركي، وبالتالي ستشكل بؤرة استثمار فريدة تنافس الأسواق الناشئة؛ الأمر الذي حدث بالفعل مطلع هذا العام، عندما ازدادت دعوات الاقتصاديين الغربيين للمستثمرين بالخروج من الأسواق الناشئة مادامت هناك سيولة كافية.


وما حدث في أسواق المال المحلية منذ منتصف الشهر الماضي، من خروج منظم للرساميل الأجنبية من الأسواق، لا يمكن إلا أن نضعه في هذا الإطار. محليا يمكن أن نستقرئ الأمور بالشكل التالي: المستثمرون في أسواقنا المحلية باتوا متقلبين بشكل أكثر حدة، وأصبحت شهيتهم للمخاطرة متصاعدة  بشكل غريب، وهم يميلون الآن إلى محاولة تجنب الخسائر في الاستثمارات، وهو ما يدل عليه تحولهم الذي لا يزال يجري حالياً من التعامل في أسهم الشركات ذات الرسملة السوقية المتوسطة إلى الشركات ذات الرسملة السوقية الكبيرة، «على اعتبار أن هذه الشركات الكبيرة أكثر استقراراً من الشركات الصغيرة وأقل عرضة للتقلبات». وهناك دليل آخر على التحول في أمزجة المستثمرين، وهو الارتفاع القياسي في سعر الذهب، الذي طالما كان الملاذ الآمن في أوقات الأزمات. هل يمكن تعديل هذا المسار؟ نعم.. كيف؟
 

safaa1971@yahoo.com

تويتر