القرية العالمية.. مساحة للتعايش

 
من اللافت ان تجد الدول المتحاربة والمتنازعة التي تعيش خلافا داخليا وخارجيا مساحة لها في دبي، فهي هنا تتحاور وفق مفهوم مختلف عن مفهوم طاولة المفاوضات، والكواليس السرية للحوارات بين الفرقاء والمتنازعين والمتقاتلين، والمتجول في اروقة القرية العالمية سيلمس ذلك الحضور لكثير من الدول، حيث التي تعاني من اقتتال، وحروب، ونزاعات، أو أزمات، سياسية «ايران، افغانستان، باكستان، فلسطين، لبنان، المغرب، سريلانكا، الفلبين، نيبال، كينيا، السودان، سورية، تايلاند»،

هذه الدول وغيرها، تركت خلفها كل ما تعيشه من ظروف وضغوط، وحضرت الى دبي ضمن مفهوم السلام والوئام  الذي تعيشه في المدينة النابضة بالحياة. زوار «مهرجان دبي للتسوق» يمثلون القارات الست، فالإنسان، ومنتجه، ومذاقه، واغانيه، ورقصاته، وطريقة حياته حاضر ة في القرية  العالمية بتجانس يصعب تحققه في مكان آخر مثلما يحدث في دبي، 

شارع الامارات الذي بات مصبا رئيسا لكل المتجهين الى القرية العالمية لنثر خصوصياتهم، ولتتداخل مع أصوات وخصوصيات أخرى لتشكل سيمفونية التجانس البشري في مساحة باتت تترسخ في وجدان وقلوب الزوار والمرتادين والمشاركين، والزاحفين من كل تجاه داخل  الدولة وخارجها. المنتج في هذه المساحة مشغول ومدموغ بختم اليد الصانعة، والايام مخلوطة بتقويم فترة محددة يغني من خلالها الجميع في مشي جماعي بخطوات مختلفة نشيد واحد،
 
وعلى ارض تشبه جميع انواع الارض، ومناخ مختلف لا يشبه أي مناخ متاح وسط ما يعانيه الانسان من نزاع واقتتال وحرب وخلاف. الافارقة يجلسون، بأناقتهم وابتسامتهم، وود قلبهم، يبيعون ويرقصون ويعرضون مشغولاتهم، في الوقت الذي تعاني فيه بلدانهم من حروب داخلية وقتل على الهوية والانتماء القبلي، فكينيا تجلس بأقنعتها ومشغولاتها الخشبية التراثية، تستقبل زوارها وخلفها شاشات الاخبار تبث النزاعات الدائرة في مدنها وسط وقوف كوفي انان وسيطا افريقيا وامميا لتهدئة الخواطر واعادة الجميع الى طاولة الحوار والاتفاق.
 
ولأفغانستان وجه اخر غير وجوه امراء الحرب، وسنوات الموت التي راح ضحيتها آلاف الافغان ولايزالون يدفعون ثمن حرب لم تضع رحاها، وها هم الافغان لديهم ما يقولونه عن ذواتهم وتراثهم، وملابسهم، وسجادهم المشغول بضمير وحرير وبهجة، من اجل اجمل الخطوات. اما المغرب الجالسة على طرف المحيط فمن رائحة شايها الاخضر تعاني من مشكلتها المزمنة «الصحراء»، لكنها حاضرة في القرية العالمية بلا أي خلاف، بأزيائها، وأثوابها، ومأكولاتها وتحفها العريقة.
 
وعلى مقربة من المغرب، تجلس امرأة سودانية في قريتها قادرة على حسم الخلاف بين الاخوة ورسم دارفور والشرق والجنوب والشمال على اكف النساء بالحنة، فالسوداني هو الافريقي الوديع، وهو المدخل الاوفر حظا الى افريقية لتجانسه وتعايشه العربي الافريقي. اما لبنان والنار الراكدة تحت الرماد فالاخوة من كل جهة مازالوا يديرون ظهرهم لكل الوساطات، ومازال امين عام الجامعة العربية عمرو موسى بطول باله واناقته يرسم خطوط الطول والعرض لتقارب المسافات بين الاشقاء الفرقاء.
 
وها هم اللبنانيون يجلسون خلف واجهة قريتهم البعلبكية يبيعون ويشترون، وفي اخر المساء يرقصون رقصة واحدة وبإيقاع متفق عليه امام زوار القرية كأن شيئا لم يكن، وامام المنتج اللبناني غير المسيس يحكي لبنان حكاية شعب أحب الحياة واتقن الحب والعمل وانتشر بين الشعوب تاجرا ومتعلما وصانعا وصديقا وفيا للجميع. 

ولم ننس الصور التي تركتها في اذهاننا وسائل الاعلام عن الحرب الضروس على أرض الارز الاخضر في فيتنام، فهذا البلد الذي احترف الصبر والسلوان وانتصر لنفسه ولارادة العالم يشارك كل عام في القرية العالمية بتحفه، وقشه، وملابسه الحريرية، والمدموغة بالألوان الحارة، يتجاوز الازمات والذكرى المؤلمة، لصالح الحياة، فالجناح الفيتنامي هو صورة مثالية عن التسامح والمحبة والارادة. الجدار العنصري العازل لم يفرق بين احد، والحصار لن يقتل الشعب في فلسطين وعلى وجه الخصوص في غزة، فالهواء لا يكترث لمجلس الحرب «الاسرائيلي»، وعلى باب الجناح الفلسطيني يغني الفلسطيني «العتابة» و«الميجانة»، وفي الداخل القدس بكل معانيها وشوارعها واصوات اجراس كنائسها وصوت الذكر يختلط معها لتشكل ملمحا لا يتكرر الا في فلسطين، بلد الانبياء، والشهداء والصامدين في وجه ابشع انواع الاحتلال في العالم. يجلس الفلسطيني الى مائدته البسيطة، زعتر، وزيت زيتون، وميرمية، وجبنة نابلسية، ومقدوس.

 وغيرها من عناصره وملامحه، هنا لا «حماس» ولا «فتح»، هنا فلسطين صوتها، وابناؤها يترددون ويسلمون على بعضهم لا هم في المقاطعة ولا على «المحسوم ـ الحاجز»،  هم هنا في بلد جمع كل جنسيات العالم دون خلاف او اعادة صياغة الخلافات. وما بين الهند وباكستان حكاية شعب يعرفها المؤمن بوحدة التداخل الجغرافي والانساني بين شعبين يشبهان بعضهما حد الخرافة وحد الاسطورة، فالحدود فقط على الورق، اما الوجه الآخر فهو التكامل بينهما، كل شيء موجود في الهند هو موجود بالضرورة في باكستان، ألوان الربيع على مدار العام،

البهجة وطعم التوابل في الوجبات هو المذاق نفسه هنا وهناك. فيما يجلس التنين كعادته يحبه الجميع، ويقتفي اثره الزوار، وإليه تتجه الانظار، نحو المارد العالمي الذي حل مشكلات الفقراء وقدم لهم البضائع بأسعار لا يتخيلها عقل رأسمالي حديث، كل ما يحتاجه المرء هنا في الصين، وبأسعار في متناول الجميع، وعرض راقص على الباب يؤكد الهوية والحركة الموسيقية الجذابة. كل الذين اختلفوا خارج دبي، يتجاورون فيها، يبيعون، يشترون، يرقصون، يغنون،

يرددون نشيد الحياة الذي صعبت عليهم الظروف ترديده في بلدانهم سهل عليهم أن يكونوا بكامل قيافتهم وتراثهم وآمالهم في مهرجان وليس مؤتمرا سياسيا او منتدى حواريا، بل مهرجان اكدوا من خلاله حضورهم ووحدتهم عكس ما يحدث معهم وفي بلدانهم. ان الخصوصية والمنتج الانساني والثقافي والاحتفالي غير التقليدي صار واقعا في دبي، والآن تكرس هذا الواقع ليستنسخ في مدن اخرى، لكن يبقى الاصل هو العنوان ومحط الانظار والمرجعية، في دولة مثل الامارات تحتفل بالانسان ومخيلته وفرصته ان يكون على احلى ما يريد او يتخيل، وسنبقى نردد نشيد سمعناه ومشينا خلفه في مهرجان اعاد الاحتفال بالطبيعة والبيئة والقارات الخمس وثيماتها على نوتة واحدة هي دبي
تويتر