ليليت/غيفارا المرأة

ياسر الأحمد

 
يتحدث الفيلسوف الفرنسي باشلار عن «كائن مخنث أو مزدوج يطوف في أحلامنا الليلية»، خيّل إلي للحظة أن هذا الكائن يتمدد بجانبي وأنا «أمارس تأملاً في أسطورة ليليت»، فليليت أو ليليان وجدت لتتمرد، فاسمها يعني الليل أو الحلم أو التأمل الحالم جداً ،وهي الأفعى التي أخرجت آدم إلى الأرض أيضاً. وهي أيضاً الأم التي لم تلدنا، فالأسطورة تقول إن ليليت خلقت من تراب كآدم، ولكنها رفضت أن تكون زوجته وهربت منه،فجاءت حواء من ضلعه بديلاً عنها.

وهذه الأسطورة التي تحمل في داخلها وعداً لم يتحقق، فالحرية والتمرد والمرأة المستقلة ليست من علامات عالمنا بعد، على الأقل في الجزء الذي نعيش فيه. ولأنها كذلك فهي أشبه بأسطورة تعمل في الخفاء. وتوصم عودتها بالكثير من التهم. هناك كتابات كثيرة استفادت من هذه الأسطورة والقدرة التفسيرية التي تتمتع بها، بحيث يتم الاتكاء عليها لتقديم رمز نضالي للحركة النسوية، وحركات المطالبة بحقوق المرأة على مختلف تياراتها. قد لا تتم الإشارة إلى هذه الأسطورة مباشرة، ولكن مدلولاتها تبقى حاضرة في خلفية «التفكير النسوي»دائماً. وهي بذلك تشبه نوعاً ما الرمزية التي يحملها المناضل الشهير«غيفارا»، وهو الذي أضحى أيقونة تستعمل باستمرار لمنح الشرعية للتمرد الفردي بعد أن صارت أحلام التمرد الجماعي خطايا تستحق التوبة والإنكار. لكن غيفارا أيضاً صار أكثر «رثاثة» فاستعماله الشعبي الكثيف أفقده وهجه النضالي، ليبقى منه في الأذهان صورة يعلقها «كاسترو» إلى جانب صورة المسيح في حفل استقبال البابا.

عند هذه النقطة تتميز ليليت ،فهي مازالت أكثر نخبوية، وأقل تمثيلاً، وهي بالنتيجة ليست نموذجاً مفضلاً عند غالبية الرجال أو النساء. فالنسوية توصم بالمروق، وتتهم بالتركيز على جنس الكاتبة بدلاً من الاهتمام بمحتوى النص نفسه، وربما لذلك وصمت ليليت منذ القدم بالمرأة الشهوانية أو المومس التي يجب أن يحذرها الرجال، ومن لوازم الحذر رفض ما تكتبه. وهي اتهامات تستخدم غالباً للهروب من الموضوع، والامتناع عن مناقشته.  فالنسوية ولدت كجزء من آليات تفسير الخطاب الجديدة، دون أن نستبعد الإرادة المسبقة في تأويل نصوص المرأة لمصلحة تحررها.

يمكننا ملاحظة جوانب أساسية في«الكتابات النسوية» دون أن نطلق أحكامنا الأخلاقية الصارمة، فهي كتابات تركز على أن المرأة مساوية للرجل، وأن المرأة تستطيع أن تكون المستقلة برغباتها، وتتمتع بقوة جذب وإغراء، وهي المرأة التي لا تحب أن ترتبط إلى الأبد بالتزام أسري دائم، فالأسطورة التي اخترعها الرجل تظهر ليليت كمتعطشة لدماء الأطفال. الرجل سيرفض هذا التصور وسيدينه، فهو تصور يقوّض سلطته بالطبع. والمرأة ستحاول تخفيف وطأة الصدمة عن الرجل، ولكنها في النهاية تريد أن تكون.
 
هكذا فإن ما تحتاجه النسوية، كما أظن، بعض التمرد وبعض الواقعية، أو بعض ليليت وبعض غيفارا. لكن دائماً تذكروا حتى نيتشه كان عدواً للمرأة.   مرافئ.

 
ytah76@hotmail.com
تويتر